أزمة ضمير
من علائم الفلاح والسعادة في حياة الإنسان هو وجود معيار يزن به خطواته ومواقفه وكلماته، فحياة العبثية والاستهتار وغياب الحكمة في التصرف يعني موتا حقيقيا، فما يمايز بين مواقف تتسم بالواقعية والتوازن ونتائجها المترتبة عليها، وما بين خطوات جزافية يمنى صاحبها في النهاية بالحسرة والندم، هو وجود ذاك الميزان الذي توضع في كفته الدراسة والبحث والمقارنة ما بين النقاط الإيجابية والسلبية، فمن كان واثقا من نفسه ويتحمل مسئولية خطواته وقراراته، فإنه يمتاز بالتأني والبحث الدقيق قبل أن يتخذ القرار المناسب.
الضمير اليقظ والبصيرة النافذة هو معيار يزن به المرء أفكاره وتصرفاته، فيمايز ما بين الغث والصواب فيما يقع ما بين يدي عقله من تصورات وأحداث ونقاشات متباينة على مستوى مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية وغيرها، فهذا الوجدان النشط يضع إصبعه على عواقب الأمور ونتائجها قبل أن يقدم رجله في أي خطوة يتحرك بها، وينبهه على التبعات والآثار الناجمة عن أي خطوة يبصره عقله بخطأ الإقدام عليها، وهذا ما يجعل للضمير دورا محوريا في حياتنا ومجمل قراراتنا، ومتى ما أصيب دوره بالترهل وجعل دوره هامشيا من خلال الخطوات والقرارات العبثية المتهورة التي يقدم عليها، فإن هذا يعني أن يقع في سلسلة من المشاكل والأخطاء المتلاحقة.
وتأنيب الضمير اليقظ يقع في مرحلة لاحقة لخطوة خاطئة ارتكبها في لحظة طيش أو غفلة، فيتحرك فكره الواعي ليأخذ دور الناصح والمساند له في تجاوز هذا المطب، فيعطيه دراسة وافية حول التبعات السيئة المترتبة عليها، فيأخذ بوصلة التصحيح والتدارك والتعديل، فيعالج ما يمكن ليعاود مسيرته دونما إحباط أو شعور بالفشل.
والثقة بالنفس وراحة البال هي نتاج التوافق والانسجام مع منظومة القيم الأخلاقية والتربوية، والتي تتجسد على شكل سلوكيات وتصرفات تصدر منه، مما يعطيه تقييما إيجابيا يومي لنزاهته واستقامته، يشجعه ويمضي به قدما في طريق القيم.
الضمير اليقظ يمثل جهاز الاستشعار للكلمات والتصرفات الصادرة من المرء، يعطيه تصورا واضحا للأبعاد الإيجابية والسلبية لخطاه وما يترتب عليها من آثار عليه تحمل مسئوليتها، أفلا يعد هذا الضمير جهازا مهما في توجيه التحذير والإنذار من عواقب مستقبلية تطفو في حياته، وقد يندم كثيرا على مخالفته لقراءة ضميره المنبهة له، ولكنه غوى واستجاب لشهوته وغفلته وسار في طريق وعر.
ما بين تأنيب الضمير أو تبلده يكمن التقييم الحقيقي لشخصية الفرد ومدى قدرته على تجاوز العقبات والمنعطفات الخطرة، فعندما بخطيء في حق غيره ولا يستطيع أن ينعم براحة البال ولا يقر له قرار بعدها، فهذا يعني أن تأنيب الضمير يحاسبه ويوبخه على ما ارتكب من خطأ أو إساءة، فيرى المرء لنفسه صورة قبيحة وهو يسيء ويعقر بلسانه الجارح، مما يدفعه نحو تصحيح الموقف بالاعتذار وطلب المسامحة، دون تعال أو اعتزاز بالإثم أو إصرار على الخطأ، بل يقر ويعترف بخطأه ولا يمر عليه مرور الكرام.
وأما الذين ضمائرهم في غيبوبة فلا يخالجهم أي شعور بالخجل من أخطائهم، فلا تجد في وجدانه أية ردة فعل تجاه إساءاته، ولذا ينطلق دون وعي نحو ارتكاب الحماقات والتصرفات الطائشة دون أن يستشعر تبعاتها عليه ولا على غيره، وهذا ما يمثل خطرا اجتماعيا وأخلاقيا يعاني منها المجتمع، فهناك أزمة ضمير وموت أحاسيس تجاه الأفعال الشنيعة والكلمات القبيحة المسيئة، إنه يكشف عن خلل في التربية الأسرية والتعليم في المؤسسات التربوية، حيث تنشأة الطفل منذ نعومة أظفاره على الضبط الذاتي وزرع قيم الصدق والأمانة ويقظة الضمير تجاه الأفعال، هو الضمانة لازدهار وتقدم المجتمع.