صراع المبادئ
قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ «13» الحجرات
وعن رسول الله ﷺ في خطبة الوداع: «أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد وكلكم لآدم وآدم من تراب وان أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى».
عن الإمام علي : «الناس صنفان: أما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق».
بعد حلقتنا السابقة في بيت أخي - عم الأولاد - اتفقنا ن تكون جلستنا هذه في بيت أختي عمتهم.
وفي أول ليلة من شهر ربيع الأول لعام تسعة وثلاثون وأربعمائة وألف عقدت هذه الجلسة. ولغياب زوج أختي عن بيته وقتها، قررت التنازل عن دوري القيادي في إدارة الجلسة، وتسليمه دفته إلى زوجتي - أم الأولاد - وأخذت أدون ما يدور فيها من نقاش.
ما هو جديد هذه الحلقة يا زوجة أخي الحبيبة؟
كما عودنا أخوك العزيز، فهو دائم الإصرار على أن تكون كل حلقة مميزة عن سابقتها، وأن يحوي موضوع كل حلقة معلومة جديدة لم يألفها القارئ.
لقد شوقتني كثيرا، فعجلي بموضوع الحلقة!!
موضوع هذه الحلقة هو بحث علمي عن المنهج الأصلح لقيادة الأمة الإسلامية، فهل هو المنهج المحمدي الذي ورثه الإمام الحسين عن جده المصطفى ﷺ، أم المنهج الأموي الذي ورثه الأمويون عن جاهليتهم الأولى وما قبل الإسلام؟؟
لا يوجد مسلم يستطيع إنكار المنهج الإسلام المحمدي الأصيل الذي يمثله الإمام الحسين إلى وقتنا هذا، وهو المنهج الأصلح للحياة!!
هذا لأنك تؤمنين بهذا المبدأ، ولكن ما نرمي إليه هو إثبات ذلك علميا لمن ليس له قلب ولم يلقي السمع وهو شهيد.
وكيف ذلك!؟
نريد إثبات ذلك علميا لمن لم يؤمن بهذا المبدأ أصلا. نثبته له علميا بحيث نلقي عليه الحجة، فيقر به ما لم يكن معاندا.
تفضلي!!
كلنا يعرف ويعلم أن حياة قريش كانت تقوم على مبدأ تفضيل وتقديم كل ما هو قرشي، وان القرشيين هم السادة وباقي البشر إما علوجا أو عبيدا لهم. كما كان ذلك قوام التفكير اليهودي وكذبة شعب الله المختار، وخدمة باقي البشر الأغيار لهم.
وما دخل هذا الحديث بقضية الإمام الحسين ؟!
انتظري حتى أكمل حديثي عندها سوف يتضح فحوى الفكرة.
تفضلي بإكمال حديثك، واعتذر على المقاطعة.
يحق لك الاعتراض والاستفسار، ويتوجب علي توضيح فكرتي ليستبين لك الأمر. وعودة لإكمال حديثنا.
تفضلي، على الرحب والسعة.
عندما بعث سيدنا محمد بن عبدالله ﷺ رسولا من رب العالمين، واخذ يوضح أهداف بعثته ومنها توحيد الله جل جلاله ونبذ الآلة المتعددة المتفرقة. ومن هذا التوحيد ينبثق اتحاد البشر والمساواة بينهم، وان أكرم الناس عند الله هو من تحلى بالإيمان وبالتقوى، حتى وان كان عبدا حبشيا. عندها حاربوه واستعانوا باليهود ممن لهم ذات التوجه والتفكير لمواجهته، رغم ما يعرفون من رفيع أخلاقه واستقامته.
ها قد عرفنا السبب الذي أدى بقريش لمحاربة الرسول محمد ﷺ قبل إسلامهم، فما هو الحال بعد إسلامهم؟!
عندما قويت شوكة الإسلام وأصبح رقما لا يمكن الوقوف في وجهه، وواقعا لا ياستهان به، لم يكن أمام الطلقاء وأبناء الطلقاء إلا الانحناء أمام قوة الإسلام والتسليم له، انتظارا لانتهاز الفرصة لاستعادة موقعهم الذي فقدوه بانتشاره في ربوع الجزيرة العربية.
ومتى عاد لهم ما كانوا قد فقدوه؟!
كان ذلك بعد انتقال الرسول الأعظم ﷺ إلى الرفيق الأعلى، كما ورد في كتاب الله الكريم ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ «144» آل عمران. فرجعت السيادة إلى قريش بل إلي بني أمية باستلام معاوية بن أبي سفيان قيادة الحكم الإسلامي.
لم نرى حتى الآن ظهور النزعة الجاهلية التي كانت تدين بها قريش؟!
صدقتي، فلقد كان معاوية يخفي قدر إمكانه تلك النزعة من تعالي القرشيين على بقية البشر، ولكن مع تولي يزيد ابنه سدة الحكم ظهرت تلك النزعة المهينة لبني البشر جلية واضحة بانقلابه على أسس الإسلام حتى نقل عنه شعرا:
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا: يا يزيد لا تشل
قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلناه ببدر فاعتدل
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحمد ما كان فعل
«البداية والنهاية» ج8 ص192.
فبني أمية يحاربون الإمام الحسين ليس لأنه من الحي الهاشمي الذي طالما صارعه الأمويون طلبا للسيادة، بل لأنه الممثل الوحيد لجده رسول الله ﷺ، وجده يمثل الحقيقة الباقية الحية إلى الأبد، وهذا ما يخافون منه، لان ببقاء هذه الحقيقة - كما يعتقدون - سوف يزول ملكهم، لذا هم يقتلون هذه الحقيقة حفاظا على هذا الملك، وهو لا يعلمون أن ملكهم مآله الاندثار لعدم امتلاكه مقومات البقاء والاستمرار، بسبب الخصوصية التي تكتنف هذا الملك، وكونه لهم وحدهم حتى لو لم يمتلكوا مؤهلات المطلوبة للحكم.
صدقتي، مما حدي بالإمام الحسين بالفداء بنفسه والتضحية بروحه في سبيل تحقق نبؤة جدة ﷺ من أن الدين لن يستقم إلا بقتله.
بل هذا هو سبب اجتهاد الأمويون في قتل كل ما يمثل الحقيقة الباقية المستمرة، وقتل كل من يمثلها مهما كانت منزلته، وحتى قتل شيعته ومحبيه، وكل من يتبعه في منهجه، حتى ولو كان سني المذهب من غير النواصب والمتعصبين*.
وهذا إذا السبب الرئيس في قيام الإمام الحسين وحدوث واقعة كربلاء.
وهكذا انهينا هذه الحلقة، وأتمنى أننا قد أوصلنا فكرتها واضحة جلية.