ثقافة التحدي
يمتاز الانسان بقدرته على قهر الظروف، وتسخيرها لرغباته، من خلال أمتلاكه الارادة القوية، القادرة على الوقوف امام الصعوبات، على اختلافها، سواء المصاعب ذات العلاقة بطريقته حياته، او الصعاب التي تحد من انطلاقته نحو الارتقاء، في مختلف المجالات العلمية والثقافية.
التحدي سلاح معنوي، قادر على تفجير الطاقات، الامر الذي ينعكس على شكل قوة قاهر، لمواجهة مختلف انواع الإحباطات، بحيث يظهر الفرق بين الانسان المتحدي، والاخر الانهزامي، فالأول يحتل مرتبة متقدمة في الغالب، ويتحرك لتخليد اسمه في ذاكرة التاريخ، فيما الثاني يقبع في مؤخرة الركب، واحيانا كثيرة يتجاهله التاريخ، نظرا لعدم قدرته على المواجهة، وانعدام القدرة على الوقوف امام الطرف الاخر.
عملية التحدي تارة تكون على الصعيد الشخصي، بحيث يتحرك المرء في جميع الاتجاهات، للتغلب على الظروف الاجتماعية، والمصاعب الحياتية، من اجل الوصول الى الهدف المنشود، الامر الذي يدفعه لتجاهل كافة العراقيل، التي تعترض طريقه، من خلال وضع الحلول المناسبة، او الاستعانة بالادوات القادرة، على تحطيم الحواجز المادية والمعنوية، مما ينعكس في نهاية المطاف، على صورة تحقيق المزيد من النجاحات، بيد ان التحدي لا يشكل بحد ذاته جسرا لعبور مستنقع العراقيل، بقدر ما يشكل دافعا معنويا وأساسيا، للبحث عن مفاتيح الأبواب المغلقة، خصوصا وان الانسان يمتلك العقل القادر، على إيجاد الحلول المناسبة، للكثير من المشاكل، التي تعترض طريق تحقيق النجاح.
كما التحدي يكون تارة اخرى، على صعيد المشروع الثقافي، والتنويري، فالمرء الذي يمتلك مشروعا تنويرا، يواجه في الغالب بمعارضة شديدة، من اصحاب النفوذ الاجتماعي، لاسيما وان المشاريع التنويرية، تهدد المكانة الاجتماعية، لبعض الشرائح الاجتماعية، مما يدفعها لاتخاذ موقف مضاد، سواء بشكل مباشر او غير مباشر، وبالتالي فان التحدي في سبيل الانتصار للمشروع التنويري، يشكل احد الأدوات الاساسية للصمود، في وجه التيار المعارض، فيما المهادنة او الاستسلام يسهم في قتل المشروع الثقافي في مهده، وبالتالي فان عملية استمرارية المشاريع التنويرية، مرهونة بقدره أصحابها على الصمود، ورفض جميع اشكال الترهيب، التي تمارس بمختلف الألوان، اذ تتخذ عملية المعارضة احيانا شكلا من الخداع، والكلام المعسول، لدفع حملة تلك المشاريع على التنازل عنها، ومرة تكون بالتهديد المباشر سواء بواسطة النفوذ الاجتماعي، او الاستعانة بالسلطة السياسية.
نشر ثقافة التحدي يهدف لزرع روح التمسك، بالاهداف المرسومة والمشاريع الخاصة، او البرامج الاجتماعية، خصوصا وان وجود عناصر قادرة على الصمود، يعطي المجتمع قوة معنوية كبرى، فيما انتشار الروح الانهزامية يدمر المجتمع، ويحول دون قدرته على النهوض، وامتلاك زمام المبادرة، بمعنى اخر، فان التحدي الفردي يولد حالة إيجابية، تنعكس بصورة مباشرة على البيئة الاجتماعية، مما يحدث حالة من الرفض، وعدم الاستسلام، لتكريس الهوية التي يناضل من اجل امتلاكها، الامر الذي يدفعه للتحرك الجاد، لتوفير المناخ المناسب، لوضع اللبنات الاساسية، لتشكيل تلك الهوية في البيئة الاجتماعية.