آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:41 م

جمرة القدس.. والخلافات العربية

محمد أحمد التاروتي *

أحدث قرار الرئيس الامريكي ترامب، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، موجة غضب عارمة في الوطن العربي، والبلدان الاسلامية، الامر الذي انعكس على صورة استنكار، وتنديد من جميع العواصم العربية، فضلا عن خروج عشرات المظاهرات، احتجاجا على القرار الامريكي، لاسيما وان القرار يمثل سابقة خطيرة، تؤسس لمرحلة تاريخية مغايرة، عن المراحل السابقة للقضية الفلسطينية، فالقرار يفتح الباب امام اسرائيل، للبدء في احداث تغيير ديمغرافي، في المدينة المقدسة.

تداعيات قرار البيت الابيض، تخلق مشاكل كبرى على صعيد القضية الفلسطينية، خصوصا وان قرار ترامب ينسف عملية السلام، ويقضي على امال الشعب الفلسطيني، في إقامة دولته على حدود 67، وبالتالي فان التحرك العربي والاسلامي، ينطلق من خشية حقيقية من دفن القضية الفلسطينية، والشروع في عملية تهجير جديدة، تتطال أهالي القدس، لاسيما وان حكومة نيتياهو لم تنتظر اكثر من ساعات قليلة، على صدور القرار الامريكي، اذ عمدت للإعلان عن الشروع، في بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في القدس، الامر الذي يعطي دلالات واضحة، على وجود تحرك جاد، لأحداث تغيير ديمغرافي، في المدينة المقدسة خلال السنوات القادمة.

استطاع قرار ترامب، تجميد الخلافات العربية بشكل مؤقت، فالمواقف المنددة لقرار الادارة الامريكية، اعادت قضية الشرق الأوسط المركزية، للواجهة مجددا، خصوصا وان الملف الفلسطيني تراجع للخلف، منذ موجة الربيع العربي 2011، جراءانشغال العديد من الدول العربية بمشاكلها الخاصة، وكذلك دخولها في مواجهة مباشرة مع الارهاب، الذي برز بشكل كبير خلال السنوات الماضية.

التعويل على موقف عربي قوي، وموحد لمواجهة قرار ترامب، بنقل السفارة الامريكية الى القدس، يتطلب الترفع عن الخلافات الشديدة، القائمة بين العديد من البلدان العربية، وبالتالي فان التحرك بصوت عربي واحد في المحافل الدولية، واتخاذ مواقف موحدة للتعبير، عن الرفض التام لقرار البيت الابيض، يمثل احد الخطوات الهامة للتعاطي مع الواقع الجديد، لاسيما وان الادارة الامريكية على دراية تامة، بالوضع العربي المتدهور، جراء الحروب الأهلية المشتعلة، في بعض الدول العربية وتضعضع الموقف العربي، نتيجة الانقسام في المواقف السياسية، الامر الذي يترجم في الخلافات الشديدة، في الجامعة العربية، فيما يتعلق بمختلف الملفات الجارية في العالم العربي.

يمثل موقف مجلس الامن الرافض، لقرار الادارة الامريكية، محفزا للتحرك العربي، للاستفادة من مواقف العديد من الدول العالمية، ولاسيما البلدان الأوروبية، بمعنى اخر، فان الجامعة العربية مطالبة، باستثمار هذه المواقف، لتشكيل ضغوط على ادارة ترامب، خصوصا وان البلدان الاوروبية، تمتلك أدوات لممارسة بعض الضغوط، للتأثير على مراكز القوى في الولايات المتحدة، نظرا لمستوى التحالف الاستراتيجي، القائم بين أمريكا والاتحاد الاوروبي.

التعويل على المحافل الدولية، في نصرة القضية الفلسطينية، يتطلب امتلاك اوراق سياسية قوية، بحيث تسمح لها بممارسة الضغوط، على بعض الدول الفاعلة، لاتخاذ مواقف مؤيدة للموقف العربي، الرافض للاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، بيد ان الوضع العربي المأساوي، وانشغالها بالخلافات الجانبية، يجعلها في موقف ضعيف للغاية.

كاتب صحفي