شكراً مُلهمتي
قبل أيام اتصلت بي أختي وهي في قمة الحماس قائلة: هل تعلمين يافاطمة بأنكِ كنتِ محور حديثنا حين اجتمعنا في منزل إبنة خالتي؟ كان حوارنا اليوم عنكِ!
سألتها بفضول واستغراب: عني أنا؟! عن ماذا تحديداً؟!
أجابتني: لقد أثاروا عنكِ بعض التساؤلات بدهشةٍ وفضول.. نلاحظ أن فاطمة قد تغيرت شخصيتها في الفترة الأخيرة، كانت هادئةً، قليلة الكلام؛ لكنها صارت مؤخراً أكثر حماساً وتفاعلاً وبشاشة، كما أصبحت أكثر مشاركة وإدارةً للأحاديث العامة أثناء لقاءاتنا؛ ماذا غيّرها ياترى؟!
فأجبتهم: أنا أعرف السرّ، وأعلم كيف تغيّرت أختي فاطمة.
سألتُها وأنا بمنتهى الحماس والإثارة: نعم، أكملي بسرعة؛ ماذا أجبتِهم؟ كيف تغيّرتُ أنا دون أن أعي ذلك؟ وكيف قامت أدلّتُكم من القياس والإجماع والتواتر لتؤكد هذا الرأي؟ بالله عليكِ أخبريني فالمؤمن مرآة أخيه.
أجابتني: أخبرتهم أنكِ قد حضرتِ دورتين مؤخراً وتأثرتِ جداً بالمدربة، وحقاً بدى عليكِ تغيّراً واضحاً؛ وقد أثار كلامي فضول الجميع وانهالت عليّ الأسئلة: من هي تلك المدربة ياترى؟ وماذا تقول وتفعل في الدورات؟ وكيف صنعت هذا الأثر العميق حتى لاحظه الجميع ولم يعد يخفى؟!
انتهت المكالمة بيني وبين أختي وبدأت الأفكار تتضارب في رأسي، وحلّقتُ بعيداً في عالم الخيال، وكأنّ أختي قد ألقت حجراً في الماء الراكد.
استوقفتني كلماتها للتأمل طويلاً، وسألتُ نفسي في حالةٍ من الذهول والدهشة: هل أنا تغيّرتُ فعلاً إلى هذا الحد الذي لفت أنظار الجميع؟ وكيف استطاعت أستاذتي الرائعة تلك أن تترك بصمتها القوية في نفسي بينما لم يحقق غيرها ذلك؟ فلا أساتذة البكالريوس ولا الماجيستير ولا الكتب ولا المحاضرات ولاالدورات، ولا سنوات البحث والدراسة ومئات الأشخاص الذين صادفتُهم تمكنوا من ذلك، بينما هي فقط دون سواها استطاعت ذلك في فترةٍ لا تتجاوز الأيام!! وعشرات الأفكار وعلامات الإستفهام والتعجب تملأ رأسي!!
وانبثقت بذهني ومضةٌ وشعاع نور؛ فقد وعيتُ جيداً حينها أن هناك فرق بين المعلم الجيد والمعلم العظيم المُلهِم، وأنّ حجم التأثير لا يتناسب طرداً مع امتداد الوقت، ولا مع كمية المعلومات أو عدد الأشخاص الذين تقابلهم، وإنما مع نوعهم؛ كشيءٍ يرتبط بنوع الشعور وكيفية الحضور الذي يمنحونه لغيرهم؛ قد تجد نفسك حين تجدهم، وتفهم ذاتك أكثر معهم.
ولستُ أدري هل يكفي أن يكافئون بعض المعلمين بكلمة شكر، أو موقف تقدير، أو يخصصون لهم يوم عيدٍ واحد؟ بينما لهم أثرٌ يمتد بامتداد العمر!
شكراً بحجم الكون.. فقد ورد عن مولانا رسول الله ﷺ: «أشكَرَكُم لله، أشكَرَكُم للناس».