العوامية وما بعدها...!
أناخت بركائبها، وألقت أحمالها، وتخففت عن أثقالها، أعتمت عليها الرؤية حتى تردت، وتباعد في سيرها الشمول في الإحاطة، والعمق في الفهم، إن قوة الحركة في الإضطراب كأرتفاع الصوت لا يعني بالضرورة التفكير المتأني.. ولا تعني حكمة الأختيار.. وصواب الفعل.. وحسن التقدير..
تولت بما حملت.. وغار في النفوس من أوزارها أوجاع ممضة، وجروح غائرة، ونفس شروب من فقد لا يسترد، وحرمان لا تملئه الدنيا، قبور وارت أجسادا، دون سبب عاقل، ولا قيام أمر يستدعيه.. كان الأمر بتمامه أختيار ناقص، ورذيلة فعل السياسة بجهل، وسقوط الفهم لسيادة الدولة ببسط قوتها، وفرض سلطانها، وعقوبتها.. ونظامها العام، لمن وافقها، وعلى من خالفها، لمن آمن وعلى من لم يؤمن فلا كيان موازي، ولا مناطق معزولة عنها، أو خارجة عليها
في أول هذا الأمر أبصر الكثيرون «المآل» الذي أنتهت إليه الأمور، وأشفق المخلصون على تلك المصائر التي تهاوت بكل الخسائر والفجائع والتباعد من ذاتنا الوطنية الجامعة، من روحنا الواحدة، من فاجعة الدم الأول.. والدم الأخير.. من الشهيد الأول لرجال الآمن.. إلى الشهيد الأخير.. «إن زوال الدنيا وما فيها أهون عند الله تعالى من قتل رجل مسلم..»..
وبعد الحزن الذي سبر وغار في القلوب والنفوس، وبعد هذا التيه الذي ضل وأظل، بعد هذا الجهل الدي تمادى، بعد ما أحدثت وما أوجعت.. كنصل السكين، كطعنة الظهر لغافل، كحرق الزيت إذ يتلظى..
آن الآوان.. لمعالجة هذا الملف «معالجة غير أمنية». في أول أمره، إنصاف «العوامية» بكونها جانية ومجني عليها، وظالمة في سبب، ومظلومة في أسباب كثيرة، لعل أولها أن كل الخراب عليها ليس من أبنائها.. ولكنها شكلت المأوى والملاذ والمخبئ.. فنسب إليها ذنوب غيرها، وحملت سيئات لم تقترفها. وبغى عليها الإعلام بالتعميم، والقصد، وإثارة الضغينة والكراهية لها وإلى أهلها الخيرين..
وليس من العقل والحكمة لومهم على «عدم المواجهة للمسلحين». لأن الحرية إذا ذهبت تذهب معها الشجاعة. فقد كان القتل قريبا من الجميع، لا يطلب من رهينة موقف، ولا يعاب عن صمت.
آن الأوان.. لعودة العوامية.. إلى حضورها الثقافي والأدبي، التي عرفت به، وبه تميزت، وإلى مشاركتها الوطنية الفاعلة، ولسبر الحياة بتدفق أجهزة الدولة، وحضور رجال أمنها، وبسط سبل الرزق على فلاحيها.. وساكنيها.. محاصيل مزارعها
وآن الأوان..
بأسباغ المغفرة، وبسط الرحمة بعد القدرة، والأخذ بالعفو والقبض على أسبابه.. من سيدي خادم الحرمين الشريفين، وولي عهد الأمين «حفظهما الله تعالى» من خلال: إعادة «النظر» في العقوبة، والجزاء، وفقا للمادة «50» من النظام الأساسي للحكم، بحكم ولاية الملك «سلمه الله تعالى» على العقوبات «العامة» إن شاء عاقب، وإن شاء عفى، ويجوز له أن يمنح العفو لمصلحة عامة أو خاصة عن كل من «لم يصب دما» ومن لم «يحمل سلاحا».
وعلى كل «الأحداث». الذين كانت أعمارهم حين فعلهم للجناية أحداثا.. لأنهم وهم بهذه الصفة، وعلى هذا الحال، أقرب إلى «الآلة العمياء» و«الأداة غير الواعية». منهم إلى «الجناة الواعين» بالفعل ودواعيه ونتائجه.. في إطار التهديد لأمن الدولة، والخروج عليها. فهم «مغرر بهم» ومجني عليهم بالتغرير وسلب أختيارهم وعقولهم.
إن اللغة التي يخاطب بها «الملك سلمان سلمه الله تعالى» شعبه، بأنسانيتها، ورأفتها، ورحمتها، وإصرارها الكريم على الطلب المباشر دون مواربة ولا تردد.. وسياسة أغلاق الدواوين وفتح كل الأبواب للناس القائم عليها ولي العهد قائد مسيرة التحول والتطوير.
تيقظ في نفوس الناس هذا الرجاء الكبير بتكوين «لجنة عفو خاصة» تعود للتصنيف، والفرز، وتحديد المراحل العمرية.. ثم التكرم عليهم وعلى ذويهم بما أعتاد عليه السعوديون من ملوكهم عبر تاريخهم المجيد المشرف في هذه المواقف.
إن قلوب الأمهات والأباء تراه قريبا، لعظيم الرجاء في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز سلمه الله تعالى وهم في صدق الرجاء مصيبون.
ولعل النخب المثقفة والفاعلة، تحمل هذا المقترح وتتبناه بحيث يقدم لخادم الحرمين الشريفين كطلب محرر من أهالي العوامية والمحكومين.