الفرج في جراحته لذاكرة الطف
في حوار البارحة مع الشيخ علي الفرج حوله كتابه الأخير عن سيرة العباس بن علي، تكرر السؤال صراحة وتلميحا بهذا النحو: ما الضير في أن يكذب أرباب المقاتل، وهذا السؤال محمول على كون الكذب/الوضع المرصود في سيرة العباس لا يخرجه من سياق لآخر، ولا من صورة لصورة ثانية، ولا يثبت معنى وينفي آخر!.
سؤال بسيط لكنه بالغ التعقيد، لأن البعض وجد في جهد الشيخ التحقيقي إضاعة للوقت في قبال مساحة أخرى تستدعي اهتماما وتركيزا كصورة السيدة زينب في الخطاب الشيعي بمثل ما ألمحت إحدى السيدات.. في مفترض السؤال ثمة إشارة إلى أن الانشغال بكشف هذه المرويات الزائفة هي معرفة زائدة لا تضيف لمشهد الوعي ما يستحق الالتفات، فهل الأمر فعلا كذلك؟.
تعالوا نتذكر بأن صورة العباس اليوم هي مفردة رئيسة ضمن بنية النص الكربلائي، النص الذي استحال من كونه مجرد حادثة تاريخية إلى لغة وخطاب ونسق اجتماعي وثقافي وممارسات وطقوس تعيد ترسيم حدود الذات وشكل علاقتها مع الآخر، هذه الهيمنة لنص كربلاء مارست حضورها حتى على شكل الإدراك العقلي لقضايا الكون بعد أن خرجت الحادثة من زمنها التاريخي ودخلت في الزمن الأسطوري، وبالتالي نحن اليوم منظومة ثقافية تشكلت وفق تلك التوظيفات الايدلوجية والرمزية لكربلاء ومارشح عنها من أفكار وصور وقصص، يعاد استثمارها وتأهيلها في كل حقبة بحسب الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية.
مراجعة صورة العباس في النص الكربلائي تتجاوز في مشروع الفرج النزعة التبريرية والتي ترى في التوسع في منح الأوسمة للرموز التاريخية سلوكا طبيعيا، باتجاه مساءلة السلطة بكافة تجلياتها، السلطة السياسية والدينية والاجتماعية و...، وطبيعة حضورها في بنية النص ورسم اتجاهاته، وهو ما يجعله في مواجهة مقدرة مع المؤسسات الحارسة لهذا النص.
لذلك لا يقع جهد الفرج في دائرة نقد مروية هنا ومروية هناك، بل يذهب كما يعلن صراحة إلى نقد المنهج والخطاب والمؤسسة التي فرضت سيادتها على النص الكربلائي وأزاحته عن مركزه، وبالتالي يصبح كتاب سيرة العباس مبادرة أولى في طريق طويل للكشف عن البرادايم الذي تشكل بفعله خطاب عاشوراء في صيغته الأكثر شعبية، وعاشوراء في اعتبار الناس عنوان هوية، وبهذا يصبح الكذب الذي يصف به الكثير من مرويات القرن العاشر شأنا يتجاوز الفعل ذاته إلى أفعال أخرى، تتراكم عبر التاريخ لتهبنا ذاكرة مزيفة وأفكار وممارسات لا نجد الوقت لمساءلتها.