آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 3:32 م

هل تحد التقنية من تكاثر الإدارات الرقابية؟

في السابق كانت كل بوابات فروع البنوك في المملكة - معظمها للاحتياط - من الحديد الصلب المطلي باللون الأسود تحديداً، وكانت الشرطة تضع امام كل فرع حارس للفرع، في الداخل ايضا كان هناك حاجز اسمنتي يفصل بين موظف خدمات العملاء والعميل.

بعدها في عام 1991م اكتشفنا أننا لسنا بحاجة إلى تلك البوابات الحديدية الصلبة وتلك الكتل الاسمنتية داخل الفرع، كما لسنا بحاجة إلى عسكري أمام كل فرع، صرنا نشاهد الآن بوابة فروع البنوك زجاجية جميلة تنافس في جمالها المحلات التجارية الأنيقة الأخرى.

في الفترة القليلة الماضية وبعد شياع استخدام بصمة الاصبع لأثبات حضور وانصراف الموظفين وانتشار وضع كاميرات مراقبة داخل المنزل لمراقبة الأولاد والخدمة، شاهدنا مؤخرا عدد من الاخبار عن قيام بعض الأجهزة الحكومية باستخدام كاميرا المراقبة للقيام بمهام رقابية على موظفين وطلبة بل حتى لمراقبة اسواق الفاكهة والخضار «لأسباب رقابية تنظيمية وليس أمنية».

هذه المقدمة هي لأثبات مدى النهم والولع لدى بعض المسؤولين في كاميرات المراقبة إيمانا وإعتقاداً منهم بأنها حل سريع ومريح وناجع لكل مشكلة أو مشاكل تعاني منها منظماتهم «وكأنها الحبة السوداء».

نفس هذا النهم وهذا الولع نجده متغلغلاً في لب عقول بعض المسؤولين في الإدارات الرقابية نفسها، في المنظمات الخاصة والعامة على حد سواء، من خلال استخدام التقنية - وليس الكاميرا هذه المرة - كأداة إدارية ضابطة ورقابية للأعمال الخاصة بإدارات الرقابة، هذا النهم والولع في التقنية هو مقبول ومبرر وضروري أنما لتطوير الأعمال وآليات الابتكار وإنضاج الأفكار وخلق بيئة وثقافة الأعمال التكاملية ورفع الكفاءة والفاعلية وتقليل التكاليف، ولكن ليس لتعزيز وطغيان الحالة الرقابية على نشاط المنشأة واستهلاك جزء كبير من أصولها - أموالها - المختلفة على الجوانب الرقابية الشكلية أكثر من أي شيء أخر.

هناك فهم نمطي خاطئ يقضي بتحويل كل فكرة أو وظيفة الرقابية إلى وحدة تنظيمية داخل الهيكل التنظيمي للمنشاة متجاهلاً توظيف التقدم التقني في هذا المجال، وبالتالي يزداد ويتضخم عدد الوحدات الرقابية لدرجة تصبح أهم الشركات لدينا مثقلة تعاني من تخمة في عدد الإدارات الرقابية المختلفة، أضف لذلك أن كل إدارة رقابية من هذه الإدارات لديها نظام رقابي حديث عالي التكلفة لكنه غير مستغل لتحقيق التكامل مع الأنظمة الرقابية الأخرى وكذلك - وبشكل كلي - مع النظام الرئيس للمنشأة، بل يحتاج لعدد من الموارد البشرية لتولي مهام إدخال البيانات وتدقيقها وتبادلها. هذه التخمة هي واضحة خصوصاً لدى مدراء الإدارة الوسطى، لكن هناك سيف الاتهام بعدم المعرفة تارة، والجهل بأهمية الرقابة «الاحتياطية» تارة أخرى، إضافة للخوف من خوض معارك خاسرة يجعل هؤلاء يتحاشون الخوض في مثل هذه الأمر.

مجمل القول، أن الأعمال الرقابية مهمة وتتطور يوماً بعد يوم، ولمواكبة التقدم والمستقبل لا يمكن الاستمرار بإنشاء إدارة رقابية لكل تطوير أو جديد نقتبسه من الآخرين، بل تحتاج الأعمال الرقابية أن تكون - عملياً - جزء في صلب العملية التشغيلية وجزء من نظام التشغيل، نراها في كفاءة بناء وتصميم التقنية المستخدمة وأنظمة التشغيل ومن خلال جودة مخرجات العملية التشغيلية، ويمكن أن تكون كل الإدارات الرقابية - مستفيدة من التقنية - تحت مظلة إدارة واحدة تخدم وتساعد وحدات التشغيل المختلفة بمعايير موحدة وتناسق وتكامل الإجراءات، وليس مجموعة إدارات متنافسة لا رابط بينها ولا تؤسس لثقافة رقابية منتجة.

وأختم بالمقولة المشهورة: ”المشكلة في المستقبل أنه يأتي قبل أن نستعد له“.