التطرّف الاممي
فرضت القاعدة واخواتها، وداعش شقيقاتها، واقعا مريرا على البشرية، اذ تمكنت من التمدد بشكل أفقي وعمودي، في مختلف دول العالم، بحيث اضحى الارهاب عابرا للقطارات، جراء القدرة الفائقة للماكنة الإعلامية، على استقطاب عناصر، من شتى أنحاء العالم، الامر الذي ساهم في القدرة، على تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية، نظرا لوجود خلايا جاهزة، لإراقة الدماء البريئة.
استغلت هذه الجماعات المتطرفة، الشعارات الاسلامية البراقة، واستخدام شماعة الجهاد، وإقامة الخلافة.. استغلت تلك الشعارات في دغدغة المشاعر، لاستقطاب المزيد من العناصر، مما ساهم في الانتشار السرطاني السريع، في مختلف الشرائح الاجتماعية، بحيث شملت اصحاب المؤهلات العلمية، وحملة الشهادات المرموقة، فضلا عن استمالة الفئات الاجتماعية، الفقيرة والمهمشة، الامر الذي يفسر القدرة الهائلة للماكنة الإعلامية، لتلك الجماعات المتطرفة، على مخاطبة الشعوب بمختلف اللغات.
الانتشار العابر للقارات للجماعات المتطرفة، يشكل تحديا كبيرا امام الدول العالمية، للقضاءعلى هذه الجماعات، خصوصا وان توجيه ضربات موجعة للقدرات العسكرية، لتلك الجماعات الإرهابية، لا يمثل نهاية التطرّف على المستوى العالمي، مما يتطلب وضع برنامج طويل الامد، لمحاربة الأفكار المتشددة المغروسة في العقول، فهذه الجماعات تمتلك قدرة، وخبرة كبيرة في احداث تحولات، فكرية لدى عناصرها، بحيث يجعلها قنابل قابلة للانفجار، بين لحظة واخرى، الامر الذي يفسر ذهاب عناصرها طواعية، لتنفيذ عمليات انتحارية، او النزال في المعارك حتى الموت.
تهدف الجماعات الإرهابية، من مبدأ الانتشار العابر للحدود، الى تكريس وجودها، ومنع تطويقها ضمن دائرة جغرافية ضيقة، بحيث تعمد الى توزيع عناصرها في العديد من المجتمعات، من اجل نشر الفكر المتطرف، والسعي لاستقطاب المزيد من العناصر، لسد الفجوة والنقص الحاصل، لاسيما وان الحرب الدائرة مع الحكومات العالمية، تستنزف الكثير من العناصر البشرية، مما يستدعي البحث الدائم عن مواصلة المشوار، بمعنى اخر، فان الجماعات المتطرفة، تركز على زرع عناصر في العديد من المجتمعات، بغرض تشكيل خلايا، للاستفادة منها لضرب الاستقرار في تلك الدول.
عملية القضاء على التطرّف الاممي ليس سهلا، لاسيما وان الفراغ الأمني الذي عاشته بعض الدول العربية، شكل فرصة كبرى لتلك الجماعات الإرهابية، لبناء هياكل تنظيمية سرية في بعض البلدان العربية والغربية، لاسيما وان غياب الاستقرار الأمني، في البلدان العربية، والسيطرة على مساحات واسعة، مكنها من الحصول على الموارد المالية، القادرة على تطوير الماكنة الإعلامية، وتوفير الموارد المالية، القادرة على تغطية، متطلبات بناء المنظومة الإعلامية الضخمة، الامر الذي ظهر على شكل موجات بشرية، للاستقرار في معاقل تلك الجماعات المتطرفة، فهذه الهجرة الجماعية لم تقتصر، على رقعة جغرافية محددة، بل شملت الكثير من الدول العالمية، مما ساهم في تكريس الحالة الاممية في البيئة الإرهابية، وبالتالي فان مواجهة الواقع الارهابي العابر للقارات، يستدعي دراسة هذه الظاهرة غير المسبوقة، لاسيما وان استراتيجية التطرّف تعتمد على تجاوز الحدود، والدعوة الصريحة، لإقامة دولة الخلافة بحد السيف، واراقة الدماء، وتفجير الاستقرار الاجتماعي على الدوام.