ثقافة التفكير
اعمال العقل، عامل أساسي في تحريك المياه الراكدة، لأحداث تموجات، سواء طفيفة او كبيرة، في طريقة التفكير، لدى المجتمعات البشرية، اذ يمثل المفكرون البوصلة، التي تحدد مسارات الكثير الشعوب، نظرا لقدرة هذه الشريحة في الخروج من الصندوق، ومحاولة البحث عن طرق جديدة، لتجديد الوسائل التقليدية، بما ينسجم مع التطور، الذي تشهده البشرية على الدوام.
تحريك القدرات العقلية امر إيجابي، لاسيما وان البقاء على نسق يقود لحالة من الترهل، والخمول في المجتمعات البشرية، الامر الذي يستدعي التجديد الدائم، والمستمر، من خلال توفير المناخات الثقافية، والمراكز الأكاديمية، لإنتاج الفكر التنويري، القادر على استنهاض الشعوب، بما يحقق التطور الإنساني، والعلمي على الدوام، لذا فان المجتمعات التي تولي اهتماما كبيرا بالجامعات، وتخصص الموارد المالية الضخمة، للنخب الفكرية في تقدم مستمر، بخلاف المجتمعات الطاردة للعقول، فانها تبقى في مؤخرة الركب، وتعتمد على الاخر، في كثير من احتياجاتها.
الدعوة الى التفكير، ليست محصورة، في مجالات علمية دون اخرى، فالأبواب مشرعة امام الانسان، لطرق كافة العلوم، خصوصا وان البحوث العلمية على اختلافها، توقد شمعة، وتسهم في تعبيد الطريق امام البشرية، للقضاء على بعض الأفكار الظلامية، بمعنى اخر، فان اختيار مجالات علمية محددة، للبحث دون التوسع المستمر، يعرقل الهدف الاسمى للإنسان، على وجه الارض، فالخالق منذ خلق الانسان، دعاه لاستخدام جميع امكانياته، في عمارة الارض، ”إني جاعل في الارض خليفة“، وبالتالي فان المرء مطالب لتسخير كافة القدرات، بما يخدم البشرية، والاستفادة من العلوم، بما يرفع الجهل، ويقضي على المعتقدات الخاطئة، خصوصا وان هناك دعوات مشبوهة، تحاول وضع عراقيل كثيرة، امام الجهود المبذولة، لسبر أغوار بعض العلوم، سواء في الارض او السماء.
التفكير ينطلق في بعض الأحيان، من تحقيق مآرب ذاتية، ومحاولة لإقصاء الاخر، مما يدفعه لاستخدام الدهاء في التنكيل بالمنافس، بحيث يعمل بكل طاقاته، في سبيل البقاء، بمفردة دون منازع، اذ ينقل التاريخ الكثير من الدسائس التي يحيكها، بعض الدهاة للتخلص من الطرف المنافس، بمعنى اخر، فان القدرات العقلية تستخدم في سبيل الشر، ونشر الظلم في المجتمع، لاسيما وان هذه النوعية من البشر، تعتبر المنافسة كنوع من الحرب، التي تستوجب استخدام الطرق المشروعة، وغير المشروعة لتحقيق الانتصار.
استخدام التفكير، في سبيل نشر العلم والتنويرية، في المجتمعات البشرية، يسهم في استدامة التطور، الذي حققته الشعوب على مر العصور الماضية، الامر الذي يفسر الرفض التام، لانخراط النخب الفكرية، في مساعدة السلطات في عمليات القمع، واسكات الأصوات الاخرى، ”إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك فقل بئس الملوك وبئس العلماء، وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء فقل نعم الملوك ونعم العلماء“، وبالتالي فان، إستقلالية النخب في التفكير، بعيدا عن ضغوط السلطات، يحقق الغايات المرسومة والساعية لرفد الثقافة، بالمعرفة القادرة على احداث تغييرات جوهرية، وعميقة، بما يعود بالفائدة على البشرية جمعاء.