آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:55 م

نقدُ النقد

المهندس هلال حسن الوحيد *

عندما يكتب المثقفون ويريدونَ النهوضَ بالأمةِ ينعتونها بأشنع الأوصاف فمثلاً نحن أمةٌ مأزومة، نحن أمةٌ لا تقرأ، ماذا قدمنا، ماذا فعلنا، نحن أمةٌ تغلب عليها سياسةُ القطيع، نحن أمةٌ العاطفة، سيلٌ من التقريع اللا متناهي. ربما كان هذا الوصفُ جائزاً ودقيقاً في مرحلةٍ من مراحلِ التاريخ ولكن هاتوا أمةً تخلو من كل تلك الأوصاف وأنتجت وصنعت كل حياتها بنفسها. ليس هناك أمةٌ على الكرةِ الأرضية كاملةَ الأوصافِ ولم يكن ولن تكون هناك حضارةٌ غير ناقصة. حياةُ البشر لم تنشأ بحدودٍ بينها عندما خلقها الرب وكأنَّ التكامل بين العنصر البشري هو المطلوب ولكن انتهت حياتنا إلى أممٍ مختلفة، كلٌّ لديه قطعةٌ من أحجيةِ الرقي والتقدم البشري، احياناً يشاركها الآخرين وأحياناً يظن بها.

الأجدى أن نحدد المشكلةَ بدقة ولا يكفي فقط التوصيف والتحديد بل المطلوب وضعُ الخطواتِ المطلوبة للحل في المستوى الأدنى ومن ثم القيام بتلك الخطواتِ لمن هو قادر. لا يكفي عندما تكون في أسفل الدرج أن تقول انا يجب علي الصعود فوق السلم. لا بد لك من إحضاره وتثبيته والرقي عليه.

نحن أمةٌ لديها كل عناصرِ ومقوماتِ الرقي والتقدم. نحن أمةٌ نمتلك كتلةً طامحةً من الشباب متوثبةً للعمل والاختراع والقيادة. نحن أمةٌ لديها أراض خصبة ومياه وشواطئ وجميعَ مصادر الطاقة التي نحتاجها، بل تلك التي يحتاجها العالم بأسره. من يملكُ إرثاً من العيشِ فوق الجبالِ ربما يهبط وديان الحياةِ في طريقه ولكن بكل تأكيدٍ لنْ يبتغي سوى القممِ مقراً وغيرها ممراً. لن يقرأَ أو يعملَ أو يخترعَ كلُّ فردٍ ويكفي أن تكون نسبةً يستطيع الحاسبُ أن يضع لها رقماً مُمَثِلةً والباقي لهم دورهم في الحياة والدعمِ، شرط إلا يكون سلبياً.

يأتي يومٌ يعود كلُّ محاربٍ إلى بيته وتُردمُ كل الخنادقِ وتُزالُ السواترِ التي استهلكت جزأً كبيراً من ثرواتِ الشعوب وجهدها ويعودُ بعدها الناس إلى ما يتطلعون له من جد واجتهاد. ليس فقط الطفل والشيخ يحتاج إلى التذكير بعناصر التميز فيه بل المجتمع والأمة كلها. نحتاجُ إلى قاموسٍ جديد من كلمات الاستنهاض والتوصيف المحدد للمشكلة وعلاجها، كلماتٌ لا تغرس اليأسَ والموتَ وإن بدا وتبث الحياةَ والأملَ وإن كان بعيداً. هناك ما هو واجب على المجتمع والدولة القيام به ولكن نواة العمل والمبادرة تكمن في الفرد انا وانت ثم تنتشر كالموجة سلباً أو إيجاباً.

حتى لو شككنا في قدراتنا الآن فلا بد أن نهمسَ في آذان أطفالنا وشبابنا كلماتٍ لا تُخمد فيهم ثورةَ المعرفة والجد. كلُّ المجتمعاتِ والحضارات تعيش مثل البركانِ، ساعةً يفور ويشتعل وساعةً يهدأ بانتظارِ أن تنبعث النارُ مرةً أخرى. لنكتب لهم شيئاً سوى الحديث عن الشقاءِ والدمار!

مستشار أعلى هندسة بترول