إيمان سيدة البرزخ
يحكى أن الحاكم ”كيتوس“ قد أرسل أبناءه الثلاثة في رحلة للبحث عن أسمى زيجات الأرض، فكان الامر واجب وفرض. وفي رحلتهم الشاقة حسب ”العزيز“ بأنه حان يوم الحاقة. وما أن قرروا الاستقرار طلبا للراحة حتى لمح ”الرشيد“ صخرة براقة. فاقترح ”المجيد“ بأن يأتيهم منها بقبس، فلعلها تكون لهم عسس. وما أن لامست يداه ذلك البرق حتى قفز نحو الشرق. فكان لهم مارد جبار... ذو سيف بتار... هائج مائج... صارخ شارخ... عظيم الطول... ليس كالتنين ولا كالغول... فراح يحوم ويجول.... وبعثرهم من أكبرهم إلى أصغرهم.... وما أن هدأت شياطينه حتى صار الثلاثة أسياده وسلاطينه... وقال: أخرجتموني من بعد دهور، ولكم مني عهد ميسور.... اطلبوا ما يرجوه منكم الفؤاد ولكم مني بأن أحقق المراد... وأذيل لكم الشداد والصعاب...
فصاح ”العزيز“: أنا في رحلة جهاد وأملك المال والعتاد ولكني أحلم بفتاة اسمها ”نهاد“... شقراء من قوم عيسى، فرد المارد قائلا: لك ما شئت فهي في باب المندب سفينتها من ذهب وزبرجد.
وصاح الرشيد: وأنا شاب سعيد... ثري وعنيد... أحلم بسمراء كالليل الكحيل... ليست بشعر من حرير... وعظمها هزيل وهشيم... ومنطقها فطين وحكيم. فرد المارد قائلا: لك ما شئت فهي قادمة على ناقة ولقلبك تواقة... تردد ”إما أن أنال الرشيد أو النحر من الوتيد“. واستدار المارد نحو ”المجيد“ قائلا: وماذا عنك يا صغيرهم ألست مثل رشيدهم أو عزيزهم؟!....
فاغرورقت عيون ”المجيد“ وخارت قواه... حيث خاف ألا يجد لدى المارد دواه. فاقترب المارد قائلا: قطعت نياط قلبي وأنا المارد... ما حاجتك؟!... فقال ”المجيد“ والدموع تحرق حدقات عيونه:
خذ الملك مني وأعد لي ”إيمان“ إن استطعت... فجسدها الطاهر في الأرض وروحها في عنان السماء....
أعد لي إيمان إن استطعت... فقد غيبها الموت ليلة الاسراء والمعراج... وبعدها الحزن والأسى مدراج... ومن حينها لا نور قد رأيت ولا مسراج.... أعد لي إيمان إن استطعت... أعدها كي تستأذنني في قيام الليل... وأعدها كي تكفل الايتام.... فما بين أمري وأمر أخوتي شتان... فرد المارد منتحبا: أتقصد إيمان ملكة الاحسان؟!... أتقصد ”إيمان“ التي جاءتك بها أختك الاميرة؟!...
إذا كانت تلك... فدنياك أيها ”المجيد“ مثيرة... وحياتها ليست بقصيرة... فهي للبرزخ شعلة كبيرة... وهي موجودة بين ثناياك... وتصلي لأجلك وتكفر خطاياك... وموعدكم في سلسبيل إن أحسنت بالخالق نواياك.
تلك هي حكاية ”المجيد“ الذي عشق فتاة أسمتها أمها ”إيمان“ واكتسبت من أسمها جمال المعنى وروعته. حيث شعر بأنه أمتلك الدنيا حين صار لها زوجا. ولكن سرعان ما عبست الاقدار في وجهه، لتحلق روحها بعيدة عنه. معلنة عن بدأ حكاية حب جديدة مع روحها التي تلازمه في خلواته وصلواته. فما يكاد أن يكتمل القمر حتى يهمس من غير وعي بتراتيل قدسية ذات لحن ملائكي قائلا ”السلام عليك يا إيمان... السلام عليك يا سيدة الاكوان والاعوان... السلام عليك يا نور الأزمان السلام عليك يا عبير المسك والريحان... السلام عليك يوم ولدتي والسلام عليك يوم تبعثي... أشهد بالله بأنك كنت سيدة في الدنيا وسيدة في البرزخ... رحمك الله رحمة يا إيمان“.