آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:33 م

رفيق القافلة والحرامي

المهندس هلال حسن الوحيد *

أنتظرُ اللياليَ الممطرةَ بكلِّ حماسٍ، نتحين الفرصَ عندما تمطر، لا كهرباءَ في البيتِ أو الشارع، نجوبُ الطرقاتِ أنا وصاحبي بلا هدفٍ في سكينةِ الليلِ غير البللِ والبحثِ عن المغامرةِ البسيطة وتحدي الطبيعة، لا نرجع للمنزل حتى يتوقف المطر. كنا نحنُ الاثنين والشبابُ ثالثنا، رحماكَ يا ربي رحماك. سوف نمشي عندما تمطر، لنْ نسمحَ للزمنِ الناشز أن يمنعنا.

تمتلكُ الدولُ العربيةُ أكبرَ كتلةٍ شبابيّةٍ تنتظر المطر كما كنا، محكومةً بمفاعيل طاقاتها، إذ إنهم يمثلون نسبةً كبيرةً من السكان الذين يبلغ عددُهم مئاتُ الملايين نسمة. بإمكان هذه الطاقةِ البشرية أن تحقق وتحرسَ المكاسب في مجالاتِ التنمية والاستقرار على نحوٍ مستدام إن كَمُلَتْ العنايةُ بهم  في امتصاص طاقاتهم وضمان انتقالٍ سلسٍ إلى سوق العمل،  أو تكونَ الكتلةُ سارقةَ الاستقرار كما يحصل في بعض الدول والمجتمعات.

تختمر الطاقةُ في كلِّ تلك الكتلة ومن المرجحِ أن ترتفع خميرتها وتتطاير رائحةُ الكعكِ والخبزِ إن أصابها طلُّ الأمل الايجابي وقد تفشل تلك الخميرةُ في إنتاج شيءٍ نافعٍ عندها تصبح تلك الطاقة أحد أقانيم وجوهر الإحباط. نقرأُ كثيراً من وقائعِ النجاحِ عالمياً ومحلياً، نجح أبطالها في صناعةِ التاريخِ وارتقاءِ الهضابِ عندما تتوفر البيئةُ المناسبةُ والإصرار على النجاحِ ومقاومةِ المصاعب.

أَقلُّ الأملِ عند كل البشرية يتمثلُ في الحصول على التعليمِ والصحةِ والوظيفةِ والأمان، كل هذا لا يأتي مستقلاً عن العمل والجد والاجتهاد. يحمل الطالب كتبه ويحضرُ الدرس وليس هذا فقط، فلابد له من المتابعةِ.  يرمي الفلاحُ البذور ويسقيها بعرقِ جبينهِ ويحميها من الطيور. لو تركها للقدرِ لربما أزهرَ أو أثمرَ بعضها، بالتأكيدِ ليسَ كلها. عَمَلُ الطالب والفلاح وغيرهم بدون املٍ وهدفٍ كمن يبني برجاً رفيعاً دون أن يرسم بأملهِ وعقلهِ خطةً في الافقِ مما يؤدي إلى ضياعِ العملِ وأملٌ وخطةٌ بدون عملٍ كمن يبني قلعةً من الرمال المبتل على الشاطئ تذهب مع أول صفعةٍ من المد.

لا يستغني الفردُ عن الأمل الإيجابي، كذلك المجتمعاتُ والدول تحتاجه للنهوض وبناء مستقبلها ومستقبل أجيالها. ليس بالبعيد كانت هناك دولٌ في أوديةِ النهضة ولم تمض سنواتٌ حتى أصبحت تتسنم القمم. وهناك دولٌ طحنتها الحروب ويأست هي من عودتها ولكن عادت مثل طائر الفينيق. هذه الدول سوف تكون أنموذجاً ومعبراً إلزامياً لاقتران الأمل والعمل في الدول التي تعيد بناء مستقبلها وتلك التي تنوي النهوض به.

لا يمكن امتصاصُ طاقةِ الشبابِ واختزالها في حباتِ المطر في ليلةٍ ممطرة. طاقة الشباب مثل أمطار السيول التي تحتاج إلى خططٍ وسدود تحبس المطر للإستفادة منه عندما لا تمطر. مالم يتم تجميع تلك الطاقة يبقى الشباب العوبةً مستسلمةً للجهلِ والقساوة تفترسها قوىً غير معروفة.

مستشار أعلى هندسة بترول