آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:33 م

ثقافة السلم

محمد أحمد التاروتي *

اختيار السلم في مختلف الممارسات، والعلاقات الاجتماعية، ليس مرده للضعف، وعدم القدرة على المواجهة، والفشل في فرض الارادة على الاطراف، بقدر ما ينم عن مجموعة الاخلاقيات، التي يتمتع به اصحاب اللا عنف، خصوصا وان العنف يجلب معه الكثير من الويلات، والاثار المدمرة، سواء على صعيد العلاقات الشخصية، او الجوانب الاجتماعية، فهناك الكثير من الخلافات، والصراعات، لا تحتاج سوى الالتقاء في منتصف الطريق، وتقديم بعض التنازلات المتبادلة، لإنهاء الاحقاد بين جميع الاطراف المتنازعة.

امتلاك الحكمة، ورجاحة العقل، عوامل أساسية في تغليب الخيار السلمي، على اراقة الدماء، وتوسيع شقة الخلافات على اختلافها، لذا فان البعض يحرص على ضبط النفس، والترفع على رد الاساءة، خصوصا وان المعاملة بالمثل، تسهم في إشعال نيران الاحقاد، وتساعد على تباعد المواقف، مما يؤسس لصراعات طويلة، تأكل الأخضر واليابس، وفي المحصلة النهائية، عدم خروج احد الاطراف سليما من الاثار المترتبة، على نشوب الصراعات الداخلية، بمعنى اخر، فان وجود عناصر قادرة، على حساب الربح والخسارة، يدفع باتجاه نداء العقل، وعدم الانصياع لأصوات الخراب، وازهاق الأرواح، وإهلاك الحرث والنسل.

إشاعة ثقافة السلم، ضرورة لاستمرار العطاء، ورفد البشرية بمختلف العلوم، والإنجازات على اختلافها، اذ لا يمكن للعقول الإبداع في بيئات الحروب والخراب، لاسيما وان النفس البشرية تتحرك في زمن الصراعات للحفاظ، على الروح بالدرجة، دون التفكير في قضايا، ذات فائدة للانسانية، الامر الذي يفسر القفزات العلمية، والتقدم التكنولوجي، في البلدان التي تنعم بالسلام والرخاء، فيما ينتشر التخلف والفقر في الدول، التي تعيش في دوامة الحروب، وسيطرة آلة الدمار على آلة البناء والإعمار.

الدعوة لانتهاج مبدأ السلم، لا يعني التنازل، والخنوع عن المبادئ، والحقوق المكتسبة، فهذه الأمور لا ينبغي التفريط فيها، نظرا بانعكاساتها السلبية على تلك الاطراف، ولعل ابرز تلك التداعيات، تتمثل في استلاب حرية القرارات، وممارسة القهر عليها، وبالتالي فان خيار السلم، ينطلق من قاعدة ”الند“ في اتخاذ القرار، بما يحقق المصالح المتبادلة، دون تغليب طرف على اخر، فالصراعات التي تنطلق مبدأ تحقيق الانتصار، على الطرف لا تقود الى تغليب السلام على الحرب، خصوصا وان جميع الاطراف تتحرك للخروج من المعركة باقل الخسائر.

عملية اختيار اللاعنف، لا يكون بشكل عشوائي، وإنما ينطلق من دراسة كافة الاحتمالات، وتقليب الأمور من جميع الجوانب، خصوصا وان الأقدام على عمل دون معرفة تداعياته، يخلف الكثير من الارتدادات السلبية، الامر الذي يتطلب وضع الأمور في نصابها، واحتساب كل خطوة بدقة، من اجل قطع الطريق امام بروز مفاجآت، ليست في الحسبان، بمعنى اخر، فان انتهاج السلم يتطلب وضع المقدمات، للحيلولة دون الوقوع في شرك الطرف المقابل، لاسيما وان السلم معركة تحتاج الى أدوات، كما تستلزم الحروب التجهيز بالعدة والعتاد.

كاتب صحفي