اوبك.. معضلة الفائض
أعطى وصول سعر البرميل لأكثر من 60 دولارا، زخما قويا للدول المنتجة، لتمديد اتفاق خفض الانتاج حتى مارس القادم، خصوصا وان محاولة اختراق الاتفاق القائم بين دول اوبك وخارجها، سيعيد الأمور للمربع الاول، بحيث تبدأ الاسعار في التراجع التدريجي، الامر الذي يفاقم من المشاكل الاقتصادية، التي تواجه اقتصاديات للدول المنتجة، لاسيما وان غالبية الدول النفطية، اضطرت لتنفيذ سياسات تقشفية، وتجميد الكثير من المشاريع التنموية في بلدانها، جراء التراجع الكبير في مداخيلها، نتيجة انخفاض أسعار النفط لمستوى متدنية، منذ منتصف عام 2014.
التحسن الملحوظ في قيمة أسعار النفط، مرتبط بالعوامل الاقتصادية والسياسية، فالتحركات التي قادتها الدول المنتجة، لضبط الانتاج ساهمت في التوصل الى اتفاق، بين الدول من خارج وداخل اوبك، الامر الذي أعطى إشارات للدول المستهلكة بوجود إرادة سياسية، بتفعيل تلك الاتفاقيات، مما يمهد الطريق لامتصاص الفائض من السوق، وبالتالي فان سياسة اغراق السوق بالانتاج، بدأت في التلاشي بشكل تدريجي، بحيث أدت سياسة خفض الانتاج، في توفير الظروف الاقتصادية، لاستعادة النفط جزء من الخسائر الكبيرة، التي فقدها منذ منتصف 2014.
الاضطرابات السياسية الحاصلة في العالم، وكذلك في المنطقة، تشكل عاملا حيويا، في تحرك أسعار النفط، فالحروب الجارية العالم تؤثر بشكل مباشر على القيمة السوقية للنفط، نظرا لارتفاع منسوب عدم انسيابية إمداد العالم بالطاقة، وبالتالي فان تعطل إمداد اقتصاديات بالنفط، يؤثر على الحركة التجارية، ويدخل الاقتصاديات الصناعية، في مشكلة كبرى، الامر الذي يدفع جميع الدول على بقاء الطاقة، بعيدا عن التجاذبات السياسية، والصراعات القائمة، نظرا لما يمثل من عَصّب رئيسي للاقتصاد العالمي.
تماسك أسعار النفط عند مستويات 60 دولارا، مرهون بالتزام الدول المنتجة بالحصص المقررة، خصوصا وان الاسعار الحالية تغري بعض الدول، لاختراق الاتفاق المبرم، من اجل الاستفادة من تحسن السعر في زيادة دخل الميزانية، بيد ان سياسة تجاوز الخصص الإنتاجية، للدول سواء داخل اوبك او خارجها، ستلقي بظلالها على السوق بصورة سريعة، الامر الذي يقود لانهار الاسعار، بمعنى اخر، فان الدول المنتجة تتحرك بشكل جماعي، لتمديد اتفاق خفض الانتاج، بغرض إيصال رسالة للسوق العالمية بقدرة الدول المنتجة، على الالتزام بروح الاتفاق، الذي إبرام في نهاية 2016.
التفاهم السعودي - الروسي، شكل النواة الحقيقية في صمود الاتفاق، خصوصا وان البلدين يشكلان العمود الفقري في السوق النفطية، نظرا لقدرتهما الإنتاجية، حيث يتجاوز الانتاج الروسي 9 مليون برميل يوميا، بينما يتجاوز الانتاج اليومي للمملكة حاجز 8 مليون برميل، وبالتالي فان دخول البلدين في اتفاق لضبط إيقاع الانتاج اليومي، يشجع الدول الاخرى على الانخراط، في مساعي امتصاص الفائض، في السوق العالمية، الامر الذي تمثل في الاتفاق القائم، حاليا بين الدول المنتجة.
فصل الشتاء، يمثل احد المواسم لزيادة استهلاك النفط في الدول الغربية، حيث تستخدم وقود التدفئة على نطاق واسع، في البلدان التي تنخفض فيها درجات الحرارة، الامر الذي يفسر الارتفاع في أسعار النفط، خلال الربع الرابع والربع الاول سنويا، وبالتالي، فان المؤشرات الاقتصادية تصب في صالح استمرارية، تحسن أسعار النفط في السوق العالمية، نظرا لوجود رغبة كبيرة لدى الدول المنتجة، في التمسك باتفاق خفض الانتاج خلال الأشهر القادمة.