ثقافة الاغتيال
عرفت البشرية الاغتيال، منذ بداية وجود الانسان، على ظهر كوكب الارض، فالجريمة الكبرى التي اقدم عليها قابيل تجاه شقيقه هابيل، تشكل اول عملية اغتيال، حيث يتحدث القرآن الكريم عن تلك الجريمة، بتفاصيل دقيقة للغاية، نظرا لما تمثله من خطورة كبرى باعتبارها اول عملية اغتيال عاشتها البشرية، وأدت الى ازهاق الروح، ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾.
الاغتيال يتخذ أشكالا، وطرقا متعددة، خصوصا وان الغرض يتمثل في اسكات الأصوات، والاستفراد بالساحة بدون منازع، الامر الذي يفسر اصرار البعض، على ازاحة جميع الاطراف المنافسة، من حلبة الصراع، باعتبارها خطرا حقيقيا على وجود البعض، لاسيما في حال كوّن تلك الأصوات ذات قدرة على الاستقطاب، وطرح بعض الأفكار التنويرية، مما يدفع للبحث عن الطرق، والوسائل القادرة على اغتيال تلك الأصوات، وابعادها من الساحة بشكل نهائي.
انتهاج الاغتيال المادي، يمثل ابشع صور الاجرام، واسكات الأصوات المعارضة، حيث تمارس السلطات على مر العصور الاغتيال، كوسيلة لابعاد الشخصيات المنافسة، او إنهاء حياة الاطراف المشاركة، في العملية السياسية، فالتاريخ القديم والحديث يتحدث عن عمليات اغتيال عديدة، طالت شخصيات تحمل طموحا سياسيا، في الوصول للسلطة، مما يسهم في إشعال الصراع، بين السلطة القائمة والمعارضة السياسية، مما يدفع لانتهاج سياسة الاغتيال، لابعاد تلك الشخصيات من الساحة بصورة نهائية، ”ان لله جنودا من عسل“، فهذه المقولة ترددت على لسان، معاوية بن ابي سفيان كثيرا، اذ كان يستخدم العسل المخلوط بالسم، للتخلص من اصحاب الامام علي بعد توليه الحكم.
استخدام الاغتيال المعنوي، احد الأساليب المستخدمة في اسكات، وابعاد الأصوات المعارضة، حيث تطلق السلطة الماكنة الإعلامية، لتشويه صورة الأصوات المنافسة، فتارة تكون عملية التقسيط عبر الصاق التهم الاخلاقية، وتارة اخرى يكون عبر التشكيك في إخلاصها، والتهامها بالخيانة للوطن، وغيرها من التهم الاخرى، بهدف سحب البساط من تحت اقدام تلك الشخصيات، وكسب الرأي العام، مما يعني توجيه ضربة قاصمة، وتحقيق الانتصار في نهاية المطاف.
انتشار ثقافة الاغتيال، يكرس الصوت الواحد، ويقضي على مختلف الأصوات الاخرى، فالبعض يشعر بالخوف بمجرد بروز أصوات، تحمل افكارا مغايرة للصوت السائد، بينما تعتبر الأصوات المختلفة ظاهرة صحية، فهي تسهم في تصحيح المسيرة، خصوصا وان تلاقح الأفكار، يقود الى الابتعاد عن بعض المفاهيم الخاطئة، ”العاقل من جمع عقول الناس الى عقله“، لذا فان المجتمعات التي تسودها حرية الرأي، اكثر قدرة على الإبداع، والتقدم، بخلاف الشعوب التي تعيش في بيئة منغلقة وتمارس فيها السلطات الحاكمة في تلك الشعوب قيودا، على الاعلام بمختلف انواعه، فهذه هذه الشعوب تواجه مصاعب كثيرة، في القدرة على النهوض، ومسايرة المجتمعات المتقدمة، في مختلف المجالات.