ضحكة طويلة «2»
«أعجب من أمر أولئك الذين يتناولون شؤون السياسية بانفعال وتوتر، مع أنه لا علاقة لهم بصنع القرار أو التأثير في مجرى الأحدث، ولو صرفوا ذلك الوقت في العمل أو اللعب لحققوا الفائدة أو المتعة، بدلا من ذلك النقاش العقيم الذي يصدع الرؤوس» ص232.
اللا مبالاة التي تفيض من هذا النص أو الموقف السلبي مما يحدث من حولنا.. هو ما عليه الأستاذ السبع في حياته العملية والذهنية، وليس معنى هذا أنه لا يتأثر داخليا من الأحداث البائسة من حوله، بل يفر من لذعها إلى السخرية وقد اتخذ من «الحنين إلى الماضي «سبيلا» إلى شيء مفقود في الحاضر» ولذا لا عجب بألا نرى في الرواية كلها سوى الغزل الذي يفوق الشعر بقوام عنان وضحكتها وسيطرتها على نادي الناطق الأدبي وهذا هو التاريخ كله.. غزل وسهر وضحك.
في المقال السابق، سمعناه يقول إنه صهر الأزمنة القرن الثاني والرابع والحادي والعشرين بالكلمات، وحيث إن هذا إدعاء تتبرأ منه اللغة.. تسمعه يقول في أول الرواية «كنت حذرا وانتقائيا في استخدام الكلمات حتى لا استخدم كلمات أو مصطلحات زمن آخر» ومع ذلك نرى الحذر وقد خانه وقد التفت إلى ذلك الأستاذ محمد الهلال في مقالته القيمة عن الرواية.
زمان الرواية هو التاريخ كله، أما مكانها فهو بغداد.. بغداد ألف ليلة وليلة.. تلك التي قال فيها الشاعر شفيق الكمالي:
«أواه.. يا بغداد
يا فتنة العصور والسنين
ساقت لك الأقدار بالأمس الضحوك
قوافل العبيد والحسان
والرند والبهار
شيراز حاكت شعرها وشاح
زفت سمرقند العذارى الناعسات
جواريا لقصرك المسحور
وكم شراع جاء من جزائر البحور
ينوء بالياقوت والمرجان
لعل بسمة من ثغرك الحبيب
يحظى به الرجال...».
نعم، هكذا كانت بغداد التي سالت عليها أحداث الرواية، وتفجر فيها ينبوع التداعي الغني للأستاذ السبع، الذي يستبد بك العجب من سعة اطلاعه وجموح خياله وحضور ذاكرته.
نرجو من الله لك الرحمة يا أبا نزار...