آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:51 م

عِندَ الصباح

المهندس هلال حسن الوحيد *

تقولُ العربُ لمن عادَ من سفرٍ قرت عينكَ يعني أنها دمعت فرحاً والقرُّ هو البرد وذلك لظنهم أن دموعَ الفرحِ تنسابُ باردةً، على عكس دموعِ الحزنِ التي تنسكبُ حارةً.

وألقتْ عصاها واستقرَّ بها النوى

كما قرَّ عيناً بالإيابِ المسافرِ

نفترضُ نحن البشر أننا سنعيشُ اليومَ وما بعده وما بعده ولكن للأسف يأتي يومٌ تصبحُ هذه الفرضية غير صحيحة وبدونِ مقدمةٍ واضحة أو نحن ندفعها جانباً خوفاً من البديل حينها يكونُ الأمسُ حلماً لا يعود.

التاجرُ الناجح هو من يفتحُ الخزينةَ كلَّ يومٍ ويقومُ بجردِ الداخلِ والخارجِ حتى يعرفَ مدى ربح أو خسارةِ تجارته والشركةُ الناجحة تضعُ لها خطةَ عملٍ سنوية وخططَ الميزانية والمشاريع الكبرى لعدةِ سنوات وتُراجعها كل عدةِ أشهر حتى لا تستيقظَ فجأةً على المجهول. كذلك الدولُ المتقدمة لديها خطط لوزراتها المختلفة لعدةِ سنوات ولديها من يقرأُ المتغيراتِ في المستقبلِ ليمكن التعامل معها وتعديلَ الخططِ حسب الحاجة.

الوقتُ هو المتغيرُ الأهم في كلِّ هذه الخطط وهو كلُّ حياتنا وليس المالُ أو الأشياء الأخرى التي إنما هي ناتجةٌ منه فلا بد لنا من وضعِ خطةٍ شخصية لاستغلاله بقدرِ ما نستطيع. نجد أنفسنا في فراغ من شغلٍ ونلقي عصانا، نلهو ونمرحُ ونضجرُ من طول الوقت ظناً منا أنه استقرَّ بنا النوى، لا بأس، لا بدَّ لنا من شيءٍ من هذا ولكن الخطر هي أن تكونَ حياتنا كلها كالصندوق الفارغ. يترك الشخصُ منا العملَ بعد مدة من الجدِّ والنشاط والابتكار وفجأةً لا يملُّ المرحَ والراحةَ واللا شيء. تمر سنةٌ، اثنتان وثلاث ولم يسجل أي شيءٍ في ديوانِ الربح.

نودعُ الاصدقاءَ عند تركِ العمل ونكتبُ لهم ما يبهرهم عما يجولُ في خواطرنا من الأعمالِ التي سنقومُ بها والأماكنَ التي نزورها والعلاقاتِ التي سوف نعيدُ وصلها والتبرعَ بالوقتِ والمال والبناءَ والزرعَ والحياةَ كلها. الحمد لله أن الأصدقاءَ لا يسألوننا عما حققناهُ من تلكَ الأماني وإلا سوف نبدوا كالمجانين.

ليس المطلوبُ منا أكثرَ من مراجعةِ ما أنجزناه كلَّ مرة ننظرُ كشف حسابنا في المصرفِ عندما نسحبُ من رصيدنا المالي أو يدخلُ في حسابنا مبلغاً يُضاف إليه. ليس المالُ أغلى من الوقت، اسألْ من صارَ لزاماً عليه الاختيار وتمنى لو أنه صارفَ ساعةً من الهناءِ بكلِّ رصيده ولكن حيلَ بين العيرِ والنزوانِ ونواميس الطبيعة لم تعطيه ما تمنى.

نكبرُ سنةً بعد أخرى وفي زحمةِ العبور إلى حقبةٍ جديدة من عمرنا نكاد ننسى اليد التي أمسكنا بها والكتفَ الذي بكينا عليه ومن دخل إلى زوايا حياتنا وغيَّرها إلى أفضل مما كانت، أناس نعرفهم ونحفظ رسومهم وآخرين لا نعرفهم ولكنَّ عطر أنفاسهم لا يزالُ يضوعُ في زوايا سنيِّ عمرنا.

العبْ وامرحْ واجعل لك في الدنيا أملاً، قرت بذلك عينك، لكن تأكد من رصيدِ الوقتِ وتمنى أن نظريةَ الغد وما بعده تعطيكَ فرصةً، واحسبها كما يقرضكَ الدائن المالَ فكلما زادت مدةُ السدادِ زاد ربحُ الدائن.

محطاتٌ نمرُّ بها في طريقِ السفر نتزود بالوقود وحينها نقررُ المحطةَ القادمةَ حتى نصلَ بأمانٍ ولتكن بداية السنةِ محطةَ التخطيط والمراجعة لما بقي من الرحلة وليكن سفرنا صباحاً فعندَ الصباح يحمد القومُ السرى...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو محمد
[ القطيف ]: 12 / 11 / 2017م - 7:29 م
مقال جميل .. يستحق التامل
مستشار أعلى هندسة بترول