ثقافة الفساد
خيانة الأمانة لا تقتصر على الجوانب المادية، بل تشمل مختلف جوانب الحياة، فكل ممارسة تنم عن تقصير، او الاستيلاء على حقوق الاخرين، تدخل ضمن مفهوم الفساد، بمعنى اخر، فان استلام الرشاوى، لا يمثل سوى مظهر واحد، من مظاهر الإفساد، وإشاعة هذه الثقافة، في البيئة الاجتماعية، خصوصا وان الفاسد يسعى لنشر المرض في المجتمع، لتبرير سلوكه امام الاخرين، ”الكل يسرق“ وغيرها من المفردات، التي تستخدم غالبا لمغالبة تأنيب الضمير.
اختزال الفساد في القضايا المالية، يفرغ المرض الاجتماعي، من محتواه الحقيقي، خصوصا وان مدلولات المفردة واسعة وشاملة، بحيث تشمل القضايا المالية، والاجتماعية والثقافية، فكل عمل يحمل في طياته خداعا للطرف المقابل، يدخل ضمن الفساد، فكما ان الاموال تحمل بريقا خاصا، يغري النفس على التخلي عن المبادئ، والقيم التي يحملها، فان التخريب الثقافي يسهم في التلاعب في العقول، والسعى لإشاعة الفوضى، والفساد في المجتمع، الامر الذي ينعكس بصورة مباشرة، على الحركة العلمية، مما يؤسس لانتشار الجهل، وتكريس التخلف في العقول.
ثقافة الفساد مرض خطير، لا تقتصر اثارها على تدمير، بذرة الخير في النفوس وإنما تخلق واقعا بائسا، في المجتمع، بحيث تتحول العلاقات الاجتماعية، الى تجارة ”بيع وشراء“، اذ يتحول الموظف الى جهاز آلي، يتحرك بواسطة الشحن، والحصول على المقابل دون وجه حق، الامر الذي يفسر حالة البيروقراطية، التي تشهدها بعض الجهات الحكومية، من اجل تشغيل الايدي الخفية، لتمرير المعاملات، والحصول على المقابل المالي، ﴿ان الله لا يحب المفسدين﴾.
سيطرة الفاشلين على صناعة القرار في المجتمع، يمثل احد مظاهر الفساد، فهذه الشريحة تعمل على استغلال النفوذ، وتقريب العناصر الفاسدة، من اجل تمرير المعاملات غير القانونية، والتلاعب بالانظمة لتحقيق المآرب الخاصة، بعيدا عن المصلحة العامة، خصوصا وان العناصر الفاشلة تتحرك وفق رؤية، تتمحور حول الاستفادة من الموقع، لتحقيق الاجندات الخاصة، الامر الذي يفسر الغنى الفاحش، الذي يظهر على هذه النوعية، من البشر بعد سنوات قليلة، من استلام المنصب.
عملية مقاومة الفساد، مرتبطة بوجود ثقافة جمعية رافضة، لمبدأ سيطرة العناصر الفاسدة في المجتمع، لاسيما وان فساد رأس الهرم مقدمة لنشر الخراب، في مفاصل المجتمع، بمعنى اخر، فان السكوت ممارسات العناصر الفاسدة، يسهم في انتشار المرض بشكل سريع، فالفساد بمثابة النار في الهشيم، ”الساكت عن الحق شيطان اخرس“، وبالتالي فان تنظيف المجتمع من سرطان الفساد، يتطلب موقفا أفضل من مختلف الشرائح الاجتماعية، فيما لا تولد الروح السلبية سوى مزيد من الخراب، والتدمير التدريجي، مما ينعكس على صورة انتشار الرشاوى، في كافة الدوائر الرسمية وغير الرسمية، ﴿ان الله لا يحب الفساد﴾.
الفساد مرض شائع، ومعروف لدى مختلف المجتمعات البشرية، فالاطماع الشخصية، والمآرب السياسية، تحرك البعض لانتهاج الطريق الخاطئ، سواء من خلال شراء المواقف، او محاولة تقديم المغريات، مما يؤسس لتخريب النفوس، وسيطرة الشر على حساب الخير والصلاح.