ثقافة الاعتبار
ما يميز الانسان عن غيره من المخلوقات امتلاكه للعقل، واختزال التجارب الحياتية، مما يمكنه من القفز على اسباب الفشل، وعدم تكرار الأخطاء، ”لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين“، فالعقل الذي وهبه الخالق للإنسان، يدفعه لاختيار الطريق الصائب في المرة الثانية، بمجرد اكتشاف الخطأ، لذا فان الجميع يستهجن كل شخص، يرتكب الخطأ لأكثر من مرة، باعتباره عملا غير مقبول، ولا ينسجم مع الطبيعة البشرية، التي تحض على تجنب الهفوات السابقة، انطلاقا من مبدأ الاعتبار الذي يمثل العلامة الفارقة، بين الاشخاص في مختلف المجتمعات البشرية.
ثقافة الاعتبار مقدمة أساسية، لاختيار الطرق الصائبة، فالمرء الذي يقع في الحفر، لأكثر مرة التي تعترض طريقه، يواجه الانتقادات اللاذعة من البعيد قبل القريب، خصوصا وان تكرار الأخطاء من الممارسات الفادحة، التي لا تغتفر على الاطلاق، اذ لا يمكن تبرير استمرار الأخطاء مهما كانت الاسباب، خصوصا وان المجتمع لا يقبل مثل هذه التبريرات، الامر الذي يدفع لانتهاج وسيلة السليمة، لعدم الوقوع في الأخطاء السابقة، مما يؤدي لتصحيح المسار على الصعيد الشخصي، او الاجتماعي او الثقافي.
الاعتبار، تارة يكون من خلال قراءة التجارب الذاتية، باعتبارها شمعة تضيء الطريق، باتجاه المسلك الصحيح، وتارة اخرى، يمكن قراءة التجارب التاريخية، والقرون السالفة، باعتبارها احدى الوسائل لاستخلاص العبر، من ممارسات تلك الأقوام والشعوب، التي سادت ثم بادت، ”فاعتبروا يا أولي الالباب“، بمعنى اخر، فان العاقل من اتعظ من تجارب غيره، في اكتساب المعارف، واختيار نوعية الثقافة، التي تحدد مساره في الحياة.
المرء بامكانه اكتساب المعرفة، من خلال الاحتكاك المباشر، او دراسة تجارب الاخرين، فالاعتبار ليس مرتبطا بتفادي الأخطاء الشخصية، او هفوات الاخرين، اذ بالإمكان استخلاص العبر، من التجارب الناجحة للآخرين، فالمعرفة ليست مقرونة بالاخطاء الفادحة، وإنما تمثل التجارب الناجحة، وسيلة من وسائل الاعتبار، وتحقيق تراكم تجارب، لزيادة الثقافة الحياتية، مما يسهم في تجاوز مصاعب الحياة، ومحاولة تنمية المشاريع النموذجية، عبر محاولة اضافة بعض التعديلات، بما يسهم في تحقيق المزيد من الفوائد، على الصعيد الشخصي او الاجتماعي.
وجود الرغبة في تفادي الأخطاء، او الحرص على عدم تكرارها، عامل أساسي في قدرة الانسان، في تنمية ثقافة الاعتبار، فالعملية مرتبطة بالدافع الشخصي، وكذلك بالقدرة على اعمال القدرات العقلية، بما يحقق الهدف الاسمى في تجنب الوقوع، في الحفر على اختلافها، خصوصا وان الحفر التي تعترض طريق الانسان عديدة، خلال مسيرته الحياتية، بمعنى اخر، فان الرغبة في احداث تغييرات جذرية، خطوة غاية في الأهمية، لامتلاك القدرة على تجاوز الحواجز المادية، والمعنوية، سواء من قبل النفس الامارة بالسوء، او بواسطة الأعداء في المجتمع، او غيرها من المطبات، التي تظهر في طريق الانسان، ”فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين“، وبالتالي، فان امتلاك ثقافة الاعتبار، يضع المرء على طريق النجاح، واستلهام التجارب من الاخرين، من خلال تجنب مثالب الأقوام السالفة، ومحاولة الاقتداء باصحاب المشاريع العملاقة، التي احدثت تغييرا كبيرا، في التاريخ سواء القديم او الحديث.