عظمة الوقوف بين يديه عز وجل
ورد أن الحسن بن علي كان إذا توضأ ارتعدت مفاصله، واصفر لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حق على كل من وقف بين يدي رب العرش أن يصفر لونه وترتعد مفاصله﴾ . ﴿البحار ج 43 ص 339﴾.
يبين لنا الإمام الحسن المجتبى حقيقة الصلاة وحدود وآداب المناجاة والخطاب مع الله عز وجل، فهذه العبادة القربية من الله تعالى تحتاج إلى وعي ويقظة وجدانية، يستشعر معها حقيقة الوقوف بين يدي العظمة الإلهية، هي حالة التذلل والانكسار من عين الضعف أمام الجبار، فالعبد لا تحمله رجلاه إن وقف بين يدي شخص قوي أخطأ في حقه، فكيف به وقد احتمل من المعاصي ما أخجله، فالصلاة الوقوف الأول بين يدي الله عز وجل، وهو تذكير للعبد بالوقفة الكبرى في يوم الحساب وقد نصبت موازين الأعمال ونشرت الصحف لتحكم العدالة الإلهية هناك.
هناك من تكون صلاته صورة وهيئة بلا روح أو معنى، فهي ليست أكثر من طقوس خاوية من حضور قلبه واستشعاره لعظمة الموقف، فالوجدان اليقظ هو من يجعله يفهم حقيقة الوضوء، ومعنى إسباغ ماء التوبة والندم على ما مضى من خطاياه، واستعداده وعزمه على طهارة جوارحه من الإساءة والعدوان، فمن عاش الغفلة والسهو لن يفهم معنى ارتعاد الفرائص هيبة وخشية من الله تعالى، ولن يشعر بمدى الدقة في محاسبة النفس وقد تهيأت له الفرصة للاعتراف والإقرار بسيئاته في أجواء روحانية في الصلاة تتسم بالطمأنينة والأنس بذكر الله، فالوضوء الموقظ للنفس من غفلتها والصلاة الزاجرة عن الفحشاء والمنكر هي التي كان فيها قلبه وفكره حاضرا ومستوعبا لمقام العبودية والافتقار.
وا أسفاه على حالنا في الوضوء والصلاة وقد تشتت بنا الأفكار في كل مكان ما عدا التفكير بالمصير الأخروي، بل تتصارع وتتوارد كل المواقف والأحداث وتأخذنا برحلة خيال واسع حتى تستقصي الماضي البعيد، فكل حساباته الدنيويو تحضر بقوة في الصلاة، فهكذا صلاة لا يمكنها أن تزرع في القلب الخشية من الله والامتناع عن الاستجابة للشهوات والتهافت عليها، لقد انشغل قلبه بهموم الدنيا وكدرها ففوت على نفسه لطفا إلهيا وفرصة لمحاسبة نفسه.
الصلاة الفاقدة للخشوع لن يكون لها ثمرة أو تأثير في فكره تصويبا أو في سلوكه استقامة، فهي حينئذ ليست أكثر من حركات بدنية لا يجني منها إلا إتعاب نفسه، فلن تردعه عن معصية ولن تحثه على إتيان عمل صالح.
الصلاة الواعية هي التي شعر فيها العبد وكأنه يقف بين يدي ربه وقد عرضت عليه أعماله للحساب، وينطلق بعدها في فضاء الورع كإطار سلوكي اكتسبه من الصلاة، فمن ضبط شهواته وأحكمها وفق لأوامر ونواهي مولاه لا أهوائه، فإنه يجد ذلك الإقبال الروحي والوجداني على مضامين الصلاة الواعية، فتخشع روحه وأحاسيسه ضبطا وصبرا وسكينة في ذلك اللقاء في الحضرة القدسية.
وينبغي للمؤمن الخاشع أن يتنبه من مكائد الشيطان والذي يتربص به، فيشغله عن أعظم حالاته الكمالية وهي العبودية الحقة عن الإفاضة الروحية التي يحظى بها من مناجاة ربه، فيأخذ الشيطان قلبه نحو التفكير بمشاغل الدنيا وهمومها، ويحول صلاته إلى ساحة يستحضر فيها كل شيء ما عدا التفكير بمعاده، إنه أمام إشراقة نورانية تعيد له قوته الإيمانية وبصيرته بنفسه، فليستمد من هذه الطاقة الروحية ما يكسبه جمالا في صفاته وعلاقته بربه.