آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:55 م

ثقافة الاستيلاء

محمد أحمد التاروتي *

التعامل بأخلاقيات الاختلاف امر مطلوب، اذ من الصعب اتفاق البشر على رأي واحد او طريقة ثابتة، فالتطور الفكري لدى الانسان يدفعه لانتهاج طرق مختلفة ومتعددة للتأقلم مع المصاعب الحياتية، الامر الذي يفضي لبروز اختراعات على مختلف المجالات العلمية، فتعدد احتياجات البشر تدفع للبحث عن الحلول المناسبة لتسريع وتيرة انجاز الاعمال وتحقيق المزيد من الرفاهية وتسخير الإمكانيات لصالحه في نهاية المطاف.

عملية اختطاف الانجازات او سرقة جهود الاخرين ظاهرة ليست جديدة او مستغربة، اذ يحاول البعض البروز عبر استغلال الاخرين او محاولة السطو على مشاريع لمقابل سواء من خلال استغلال النفوذ الاداري والسلطة الاجتماعية او غيرها من طرق لممارسة الاحتيال والسرقة، فهذه النوعية من البشر تحاول التواري خلف ضعف امكانياتها بواسطة الظهور بمظهر غير حقيقي، بهدف تسجيل إنجازات وهمية، بهدف الحصول على الشهرة او اغتصاب مواقع الاخرين.

القفز على نتاج الاخرين مصيره الفشل وانكشاف الاوراق المستورة على الملأ، فالحقيقة ستظهر بشكل جلي مهما طال الزمن، اذ يمكن ان تبقى السرقة غير معروفة لبعض الاجيال، بيد ان الحق يعود لاهله في النهاية، خصوصا وان الجرائم المادية والاخلاقية او الأدبية يصعب دفن سرها للأبد، فلا توجد جريمة مكتملة الأركان، فالمجرم يترك دليلا على جريمته في الغالب، مما يقود للإمساك احد الخيوط وبالتالي كشف الغموض وظهور الحقيقة وتعرية السارق في نهاية الامر.

استغلال السلطة الاجتماعية او الإدارية يمثل ابرز ملامح التسلق على اكتاف الاخرين، فالبعض يستغل الإمكانيات المتاحة لديه في تدمير طاقات الاخرين وعدم السماح لغيره بالبروز او محاولة الظهور، سواء عبر الاستيلاء على جهود الطرف الاخر او تسفيه قدرات ومشاريع المقابل، من اجل القضاء على المنافس او الحيلولة دون ظهور أفكار اكثر تطورا، لاسيما وان المخاوف على السلطة تمثل احد الأسباب وراء محاربة شتى أشكال التطور او الاختراعات الجديدة، اذ من شأن نجاح تلك المشاريع الإبداعية او الخلاقة سحب البساط من تحت اقدام الحرس القديم او اصحاب الطريقة التقليدية السائدة.

عملية التجانس والتأقلم مع التطور مرتبطة بوجود ثقافة استيعاب الجديد ومحاولة الاستفادة من الافكار المتطورة بما يخدم المجتمع، خصوصا وان محاولات السرقة او القمع تعبر عن الضعف وليس دلالة على القوة، فالضعيف يسعى لتخريب المشاريع الجديدة سواء عبر بث الدعاية المضادة او التحرك لشراء تلك المشاريع بغرض الاستيلاء عليها او دفنها بشكل نهائي، باعتبارها خطرا كبيرا يهدد مستقبله الاجتماعي ونفوذه القوي في المجتمع.

ثقافة الاستيلاء تمثل احد الامراض الاحتماعية التي تهدد بقتل الكفاءات وحملة الفكر التنويري، مما يسهم في تكريس التخلف وسيطرة الجهل في الشرائح الاجتماعية، الامر الذي يفسر هجرة الادمغة للدول المتقدمة، جراء الإحساس بالضياع في بيئة التخلف والحرب الشعواء التي يشنها الجاهلون او اصحاب النفوذ على الكفاءات بغرض قتل الفكر المتطور او السعي للاستيلاء على جهود هذه النوعية من النخب العلمية.

كاتب صحفي