آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:30 ص

ثقافة الافلاس

محمد أحمد التاروتي *

يكمن الفرق بين القادة الحقيقيون، وأنصاف القادة، في نوعية القضايا، التي يتم معالجتها، سواء على الصعيد الشخصي او الاجتماعي، فالقائد الحقيقي يترك القضايا الهامشية، ويترفع عن الانخراط فيها، باعتبارها مضيعة للوقت، وتحول دون الوصول الى الاهداف السامية، لذا فان محاولة جر القادة في معارك هامشية، لا تجد استجابة تذكر، نظرا لاستيعاب الأغراض المتوخاة، من اثار مثل هذه المعارك الصغيرة، ﴿و اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.

بينما يتواجد أنصاف القادة، او المفلوسون، في المعارك الهامشية، او غير المركزية، نظرا لافتقارهم للبوصلة القادرة، على توجيه الابرة للقضايا الجوهرية، لذا فان هذه الشريحة ما ان تخرج من معركة هامشية، سواء بانتصار وهمي، او خسارة حقيقية، حتى تتحرك للدخول مجددا، في صراع اقل أهمية، اذ تحاول هذه النوعية من البشر، الاشتباك المباشر مع الاخرين، انطلاقا من قناعة راسخة تستند الى ان الخوض في المعارك، سواء كانت صغيرة او كبيرة دلالة على الشجاعة، وعدم الهروب من ارض المعركة، لصالح الطرف الاخر.

الافلاس مرض اجتماعي، واحيانا نفسي، فالمرء الذي يعاني من فراغ، يلجأ لاثارة الخلافات، او المعارك الهامشية دون مقدمات، اذ يحاول تصيد الأخطاء عن الاخرين، سواء كانت حقيقية، او وهمية بهدف تضخيمها بشكل كبير، مما يدفعه السير بقوة باتجاه هذه المعارك الهامشية، بغرض تسجيل نقاط على الطرف الاخر، بحيث لا يتورع عن تأليب الاطراف الاخرى، للحصول على التأييد والانصار، لمواصلة المعركة، باعتبارها أدوات رئيسية لإسكات الضمير الحي، او طريقة لاثارة قضية خلافية في المجتمع، الامر الذي يفسر بروز عناصر تمتاز بالقدرة الفائقة، على اثارة المشاكل في المجتمع، اذ سرعان ما تخمد معركة، لتبدأ اخرى اقل أهمية.

الافلاس معضلة كبرى في المجتمع، باعتبارها احدى عوامل الهدم، ومنع المجتمع عن التقدم، والوصول الى الاهداف الكبرى، لاسيما وان المفلس الذي يحاول تصدر المشهد الثقافي، او الاجتماعي، يدخل الجميع في متاهات مظلمة، يصعب الخروج منها، الامر الذي يفسر الفرق بين القادة الحقيقيين، الذين يتحركون لإنقاذ المجتمع من براثن الجهل، والتركيز على القضايا المركزية، باعتبارها طريق النجاة ووسيلة لتحطيم مختلف الأغلال، التي تكبل الشرائح من النهوض، بينما القادة المفلسون يفشلون في وضع البرامج القادرة، على رسم خارطة الطريق للمجتمع، مما يسهم في ادخال الجميع في مشاكل لا تنتهي، اذ سرعان ما يخرج المجتمع من مشكلة هامشية، ليجد نفسه في أتون قضية اخرى اقل أهمية.

إنقاذ المجتمع من الحروب الهامشية، يستدعي استبعاد القادة المفلسين، من الامساك بزمام الأمور، فالمجتمع الذي يضع رقبته تحت رحمة أطراف، غير قادرة على قراءة القضايا، يتحمل مسؤولية الضياع، وعدم القدرة على تحديد القضايا المركزية، ”الناس على دين ملوكهم“، بمعنى اخر، فان إمساك القادة المفلسين بزمام الأمور، لا يجلب سوى الخراب والتدمير، نظرا لتسليط الضوء على قضايا، لا تقدم وتؤخر، وبالتالي، فان اعادة برمجة القضايا، يمثل احد الوسائل للقضاء، على ادخال المجتمع في التيه والضياع.

كاتب صحفي