في حنايا الإمام الحسن المجتبى (ع)
كثير جدا ما ظلم الإمام الحسن من محبيه ومن مخالفيه واستمرت ظلامته إلى الآن للأسف الشديد وكأننا نسينا قول رسول الله ﷺ: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». وقوله في حق الحسن المجتبى: «إن ابني هذا سيد».
ويأتي قوم من الشيعة للأسف الشديد بكل جرأة ويقولون: [ السلام عليك يا مذل المؤمنين ]. ويأتي الأخوة السنة ويقولون بكل جرأة في صيغة مدح أريد بها الذم أنه بايع فلان، لأنه رأى صلاح الأمة في ولاية فلان. وعجيب فعلاً هذا الإمام كيف ملك الصبر بكل جوانبه من شيعته ومن معاديه كيف لا تخرج روحه من بدنه، ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالته.
محاورنا في شخصيته الكريمة:
1 - تربية الإمام الحسن المجتبى .
2 - منهجه في السير والسلوك إلى الله سبحانه.
3 - الخاتمة.
تربى الإمام أبو محمد المجتبى في حجر النبوة، ورضع من فخر القداسة الزهراء ، وتعلم من البيان والخطابة من علي ابن أبي طالب ، فخرج من نتاج هذه التربية أروع الصفات. وعن سلمان الفارسي عن رسول الله ﷺ أنه قال: «يا فاطمة إنّا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الاَولين ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت إلى قوله ﷺ ومنا مهدي الاَمّة الذي يصلي عيسى خلفه، ثم ضرب على منكب الحسين فقال: من هذا مهدي الاَمّة» المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي ج6 ص18. وفضلوا بسبع خصال قال الإمام السجاد في مجلس يزيد: [أيّها الناس أُعطينا ستّا وفُضِّلنا بسبع، أعطينا: العلم، والحلم، والسماحة والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين] أهل البيت ج7 ص12. حينما أراد أن يعّرف الجهلاء في ذاك المجلس ويقيم الحجة عليهم. فالإمام الحسن المجتبى وليد تلك الخصال الحميدة والعظيمة من أبيه وجده وأمه . وقال في حقه وحق أخيه الإمام الحسين عليهما السلام رسول الله ﷺ والسلم: «الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة». وقال: «الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا». وقال «إن ابني هذا سيد». وقال: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا». وكلها روايات عظيمة تحتاج لتأليف كتب لشرحها وبيان فضلها، وبعد ذلك كله آلا يحزنك قول بعض الناس من الشيعة إما بالغمز أو التلميح أو من وراء الكلمات أقوالاً تقلل من شخص الإمام ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ومن أبرز خصال أبي محمد المجتبى أرواحنا فداه الكرم فهو كريم أهل البيت وكرمه مستمر إلى يومنا هذا وإلى غد وكل منا ذهب إلى المدينة المنورة في مزرعة العمري الذين هم خدام الإمام الحسن المجتبى ومائدته كل يوم توضع لزوار الرسول صلى عليه وآله وسلم وأهل البيت من الأئمة الأطهار الذين في البقيع كما أن كرم الإمام لا يقف عن إطعام الطعام فقط، بل يتعداه أيضا في الكرامات الكثيرة من قضاء حوائج المؤمنين، فهو ملاذ المحبين والمحتاجين حيا وميتا.
ومن كرم الإمام أنه رسم لنا طريقا، وعلمنا منهج نهتدي به في هذه الدينا كي لا نضل ونخزى فقد روي
من وصايا الإمام الحسن ابن علي : قال له جنادة ابن أبي أمية في مرضه الذي توفي فيه: عظني يا ابن رسول الله. قال: نعم. [ استعد لسفرك، وحصل زادك قبل حلول أجلك، واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه. واعلم أن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب، فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فالعتاب يسير. واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا. وإذا أردت عزاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان، فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل]معرفة النفس ج1 ص 38. وهذه الرواية التي تعتبر كنز من كنوز أهل البيت التي يحتاج أن نقف على عباراتها بتأمل شديد، وسأشرح بعضها بما لدي من علم قليل وإلا تحتاج لمجلدات في السير والسلوك إلى الله سبحانه. وهذا على عاتق العلماء حفظهم الله تعالى فقال في أول كلامه:
«أستعد لسفرك وحصل زادك قبل حلول أجلك» أي أنه صوّر هذه الدنيا أن محطة للتزود بالأعمال الصالحة وحمل الخيرات على الظهر كي تعينه في سفره بعد موته.
«واعلم أنك تطلب الدنيا والموت يطلبك» أي أننا نسعى في طلب الدنيا، ولكن هناك من يسعى خلفنا وهو الموت.
«ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي أنت فيه» أي البعض من يعمل جاهدا في جمع المال والضرب في الأرض كل ذلك بحجة أنني أجمع المال الأبيض لليوم الأسود، وكأنه ضامن عمره ساعة فضلا عن سنين قادمة. وكلامنا هذا موجه للذين يقصرون في حق أهلهم في العيش الكريم بشكل مفرط بحجة غدا سيكون المستقبل أفضل حتى يموت الواحد منهم، ولم يعمل بوعد واحد لأهله ويخلف وراءه ثروة قد حرم نفسه وأهله منها.
«واعلم: أن الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب، وفي الشبهات عتاب» للأسف أن كثيراً منا نسي ذلك أو تناساه، فأخذنا نضرب في الأرض طولا وعرضا بما نشتهيه، ولا يمنعنا ورع أو عفة، وقد كثر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، فأين المهرب من عدل الله يومئذ إذا سئلنا عن ما قدمت أيدينا وما فرطنا في جنب الله فلم نراع في حلال هذه الدنيا حسابا ولم نخف من حرامها وما وراءه من العقاب، ولم نلتفت في شبهاتها حتى غرقنا فيها واختلط علينا الحلال بالحرام؟! فبكرمك يا مولاي أدع لنا بأن يخلصنا من هذا الهم والغم ويغفر لنا ذنوبنا التي احتطبناها على ظهورنا.
«فأنزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك، فإن كان حلالاً كنت قد زهدت فيه، وإن كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه كما أخذت من الميتة، وإن كان العتاب فالعتاب يسير» يرشدنا مولانا المجتبى أن نأخذ من هذه الدنيا ما يعف أن أنفسنا عن ما في أيدي الناس، ويصف الدينا بصورة بشعة كي نزهد فيها، وتتعلق قلوبنا بالخالق سبحانه، ويكون هو الغاية التي تشغلنا في وجودنا في هذه الدينا.
«واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» وهنا يعطينا مولانا الحسن ضابطة وقانونا نتعامل به في هذه الدينا بلا تفريط ولا إفراط. فقوله ”اعمل لديناك كأنك تعيش أبدا“ أي اجعل الدنيا فرصة للتجارة مع الله سبحانه، وتزود منها من الخيرات والحسنات ما استطعت إليه سبيلا، ولا يقف الأمر عند العبادات فقط بل يتعداه من حسن المعاملة والأخلاق الحميدة والتواضع ولين الجانب وصلة الرحم والنفقة على العيال وترك المحرمات وغيرها من المنكرات والتزود منها بالعلم والمعرفة حتى لو بلغت الروح الحلقوم. وأما قوله: [واعمل لأخرتك كأنك تموت غدا ] أي نكون دائما متوقعين حلول الأجل علينا في أي لحظة فيكون ذلك رادعا لنا من ارتكاب المحرمات والسعي في طلب مرضات الله في كل أمورنا صغيرها وكبيرها.
«وإذا أردت عزا بلا عشيرة، وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عز وجل» الحمد لله الذي جعل لنا أئمة هادين مهدين ينيرون لنا الطريق، وهنا الإمام يعطينا معنى العز الحقيقي الذي يجب علينا أن ننشده والسلطان التي تتوق أنفسنا إلى أن نملكه هو الخروج من ذل معصية الله إلى عز طاعته، فيجعلنا مولانا الحسن المجتبى أرواحنا فداه أحرارا في ديننا وعقيدتنا وأحرارا في دنيانا فلا نتذلل لهذا ولا نتملق لذاك، ونبارز الله بالمعاصي في الخلوات، ونظهر الإيمان في العلن، ولا نجتهد بالخيرات رياء أو سمعة ونكسل في الخفاء. فيريدنا مولانا المجتبى أن نكون شيعة حقا وحقيقة فحرّيا بنا أن نفخر بهذا الإمام، وتعلو هامتنا عزا ومجدا أن منّ الله علينا بقادة وساسة هم أركان البلاد وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن وسلالة النبيين وصفوة المرسلين.
فالسلام عليكم مولاّيّ جميعا ورحمة الله وبركاته، ولا حرمنا الله من شفاعتكم يوم القيامة إنه مجيب الدعاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.