الأخوات الثلاث
أحبُّ أمي وأكتب عن أبي وقد يأتي يوم أكتب فيه عن أمي وتجارتها وعملها كي تقف كتفاً لكتف مع والدي لتتكاملَ جهودهما من أجلنا نحن العشرة. أكتب عن أبي لأنه كان يقدم لي دروساً على مسرح الحياة كالعرائس، عملٌ بلا كلام فتُحفرُ الدروسُ في الذاكرة كما الطفل يقص عليك فصول المسرحية بعد انتهائها بكلِّ التفاصيل.
تسأله كل يوم، كيف الصيد؟ يقول لك الحمد لله كفاية وفعلاً هكذا كل يوم، يصطاد ما يكفيه وأسرته ولكن عيناه على ما لم يصطاد ولم يدخل في شباكه حتى الساعة. هو دوماً يصلح الشبكة، بانتظار السمكة الكبيرة التي تخرقها ويحتاج إلى من يعينه على إخراجها من البحر.
ربَّما تحمل الأرقامُ أسراراً لا ندركها، فكان والدي بين فترة وأخرى يصطادُ ثلاثَ سمكاتٍ كبار من نوع ”السكن“. أنا في المنام ولكن لا أحتاج عندما أستيقظ لمن يخبرني أن الكبار أتوا، فوجبة الإفطار تغيرت وريالُ فلسطين الذي طلبته المدرسةُ حاضر وكراسة الرسم والدفاتر، التى طال انتظارها، في الحقيبة فكأنما الحياةُ أصبحت أحلاماً بلا نهاية.
أنا وأنت نشبه والدي، فنحن في كل يومٍ نصطادُ ما يكفينا وبين الفينةِ والأخرى يرسل الرب لنا الأخوات الثلاث فتبعث فينا الأمل بأن ما لم نصطاد بانتظارنا فلنبق آمالنا ونصلحَ شباكنا فلعل الأخوات الثلاث تزور شباكنا مرات عديدة.
إن كان لك ولدٌ فلا تزعج نفسكَ بالكلام، سيعرف متى ما تكون الشباك فارغة ومتى ما كان فيها الأخوات الثلاث، سيعرف من دموع الشكر ونظرات الأمل، وإن كان لك أبٌ فانظر إلى وجهه واقرأ ما تريد أن تفهمهُ من الكلام...