آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:30 ص

الكتاب: ترياق الالم

جلال عبد الناصر *

يمر الانسان خلال مشواره في الحياة بظروف مختلفة منها المبهجة ومنها المحزنة. ويختلف مستوى التفاعل معها من شخص لآخر نظرا لعوامل متعددة منها الخبرة، ومستوى التعليم، إضافة إلى تأثير الجانب الديني، كذلك تختلف آلية التعامل مع تلك الاحداث. ومن تلك الآليات أو الفنيات التي من الممكن أن تحدث تأثير على كيمياء المخ وبالتالي على نفسية الانسان هي فنية القراءة.

فقبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد نحت على أحد معابد الفراعنة في وادي الملوك عبارة تقول ”عليك يا ولدي بالقراءة وعليك أن تحبها أكثر من حبك لأمك“. كذلك اهتم الاغريق بالأدب وملحمتي الإلياذة والاوديسة خير دليل على ذلك. وكان الجنود الاغريق يستقون الشجاعة والصبر من تلك الملاحم خلال خوضهم للمعارك.

كذلك تحدثت الكتب الدينية عن مدى تأثير القراءة على الانسان، ويلجأ الانسان المسلم إلى قراءة القرءان بحثا عن الراحة النفسية استنادا للآية التي تقول «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ ‏تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ».

وفي العصر الحديث وخلال الحرب العالمية الثانية لجأ المهتمين إلى تشجيع الجنود على القراءة كنوع من العلاج من الآثار التي تركتها الحرب عليهم، وبالتالي العلاج بالقراءة فنية قديمة تطورت مع حاجة الانسان لها. ويقول شعبان عبدالعزيز في كتابه العلاج بالقراءة أنه في عام 1916 تم استخدام الببلوثرابيا Bibliotherapy كأول مرة من خلال مقال للعالم ”صاموئيل ماك“ وهي عبارة عن دمج لكلمتين ف «ببليون» تعني كتاب بالغة اليونانية، و«أوباتيد» تعني علاج وقام باستبدال الثانية ب «ثرابيا - Therapy» لتصبح العلاج بالقراءة.

وبطبيعة الحال كما أنه يجب على الطبيب أن يكون دقيقا في كتابة الوصفة الطبية للمريض فيجب على المختص الذي سوف يقوم باستخدام فنية الببلوثرابيا مع المريض او الحالة أن يكون دقيقا في اختيار نوع الكتاب الذي سوف يقدمه لطالب الخدمة. وهنا يتحول الببلوثرابيا إلى فن أي يجب أن يكون المعالج قارئ وملم بالأحداث سواءا كانت رواية او كتاب علمي، وعليه أن يستعين بذوي الخبرة في القراءة. ونشير أيضا إلى أنه يجب أن يتم تصنيف نمط العميل وتشخيصه جيدا من قبل فريق مختص، وبعد ذلك تتم متابعة الحالة وقياس مدى تطورها. وقد أفادت الكثير من الدراسات بأن العلاج بالقراءة ساعد كثيرا في تحسن حالات إدمان الكحول والقلق والاكتئاب. والمسألة ليست بالتعقيد الذي يتصوره بعض الناس في استخدام تلك الفنية، فكل شخص أدرى بميوله سواء كان مهتماً بالتاريخ أو التكنلوجيا.

فمن خلال تجربة شخصية مع إحدى الحالات والتي كانت عن طريق الصدفة، حيث لم أرشده إطلاقا نحو القراءة، فقد كان يعاني من اكتئاب بسيط ولاحظت بأن هناك تغير في مزاجه بشكل ملفت للانتباه مما اثار ذلك استغرابي إلى أن اكتشفت بأنه كان منغمس في قراءة «مغامرات إنديانا جونز». فشخصيته كانت تميل إلى المغامرات والسعي وراء معرفة الاسرار وذلك ما دفعه لأن يتحمس في قراءة المجموعة كاملة.

ولقد أفادتني تلك التجربة في دعم أحد حالات الإدمان فمن المعروف بأن انتكاسة مريض الإدمان وعودته للتعاطي من جديد من شأنها أن تجعله يمر بنوبة اكتئاب وفقدان الامل خصوصا بعد فترة من التعافي.

وقد قمت بتكليفه بقراءة سيرة حياة ”روبرت داوني جونير“ الممثل أمريكي الذي قام ببطولة Iron Man. فالنجاح الذي حققه الممثل على الصعيد الفني أو الجانب المادي لا يوحي بأنه قد كان مدمن مخدرات من الدرجة الاولى، وهنا يظهر كيفية اختيار نوع المادة المقدمة للعميل. فمثل تلك لقراءة قد تعطي المريض الامل وتنمي فيه الصبر والكفاح.

العلاج بالقراءة لا يعني وجود مرض إطلاقا، ولكن يظل الانسان ضعيفاً مهما بلغ من مجد، وهو بحاجة للتنفيس من حين لآخر. فقراءة الشعر أو مقتطفات من حياة العرب أو حتى الكتب العلمية الصرفة قد تحرك خلجات النفس وتعيد لها حيويتها من جديد.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
هلال الوحيد
[ القطيف ]: 24 / 10 / 2017م - 2:36 م
موضوع جميل.
عذراً، لجأ المهتمون وليس المهتمين. أتت في موقع الفاعل...
اختصاصي نفسي في مجمع إرادة للصحة النفسية بالدمام