التعامل الواقعي
لا يوجد بيننا من لا يطلب الهدوء الخارجي والبعد عن مصادر الضوضاء والإزعاج، ويطلب هدوءا داخليا يصرف عنه أسباب القلق والاضطراب النفسي، فمجمل المواقف والأحداث التي نواجهها تلقي بظلال تأثيرها على أنفسنا، والشعور بالضيق والضجر نتيجة طبيعية لما نلقاه من صعاب ومشاكل، والحقيقة المؤكدة أننا في خضم مواجهة الظروف الصعبة في الحياة كمن يمر في وسط حقل ألغام يسير بوجل ولا يدري أيها ينفجر في وجهه، وهذه العلاقات الاجتماعية تشهد صخبا وصعوبة في إدارتها بهدوء، فأضحى الانفعال والحوار الساخن متسيدا في مشهد علاقاتنا.
إشاعة البهجة والأجواء المرحة بلا شك هو عماد الحياة المستقرة والسعيدة، وإحاطتنا بهكذا أجواء سيكون مشجعا للتحلي بالطمأنينة وراحة البال مما يشغل الفكر والوجدان من منغصات للحياة الهادئة، فكيف يمكن لنا تحصيله؟
ما يكف العقل عن التفكير السلبي والزائد والمقلق هو وجود صورة واضحة لواقعنا وما نمر به من أحداث، من أنها تقديرات إلهية تلون حياته ما بين السراء والضراء، وعليه التعامل بكل حكمة ورزانة مع المحنة أو المشكلة متطلعا لإيجاد حلول مستقبلية ممكنة، فاجترار آلام الماضي وندب الحظوظ لن يغير من واقعه الصعب، ولا المقارنة بأحوال الناس وجعله مقياسا لتعاسته وبؤسه، حيث أنه لا يحظى ببعض الامتيازات المادية والصحية والوجاهتية كغيره!!!
حينما نعرف قدراتنا ونثمن ذواتنا بحسبها سنبتعد عن الارتدادات السلبية والإحباط، فالسقوف العالية المتوخاة من الأهداف أو النظرة المثالية الزائدة ستوقعنا في تأنيب شديد للنفس بنحو دائم، ولكنه التعامل الواقعي مع طاقاتنا يدعنا في حالة رضا وقناعة وقبول عن ادائنا وإنجازنا، مع عمل طموح يتطلع إلى واقع أفضل في الخطوات اللاحقة، فالارتقاء بالنفس حق طبيعي لآمالنا وطموحاتنا يتحقق من خلال اكتشاف مواهبنا وتنميتها باستمرار.
والتفكير المشحون بالانفعالات الشديدة تجاه الآخرين يدفعنا نحو نظرة الانتقام والأحقاد، والتي تحيلنا إلى كتلة سوداء لا تنير بأشعة التسامح والاحترام أبدا، وما علينا سوى التعامل بواقعية مع من يحاول توجيه الإساءة لنا، أو ما يترتب على الاحتكاكات اليومية مع أصدقائنا وأفراد أسرتنا من أخطاء طائشة، فالتحلي بروح التسامح وخفض التوترات بالتحلي بهدوء النفس والنظر لعواقب أي كلمة أو موقف نطلقه يحفظ لنا استقرارا في علاقتنا، فذاك يحفظ لنا راحة للبال ويجنبنا ضغوطا نفسية زائدة تؤرقنا وتسلبنا التوازن الفكري والوجداني، فغضبك من مواقف الغير وتأجج مشاعرك لن يفيدك بشيء، في اللحظة التي قد لا يأبه الغير بردة فعلك المشنجة أو تلقي عليه ظلال الفرح لإغاضتك.
والتعامل مع كل أخطاء الآخرين وتقصيرهم بعين الدقة والمحاسبة، يدفعك نحو التعامل بالنقد السلبي واللوم والتعنيف، مما يجعلك شخصية يتجنبها الآخرون خوفا من الوقوع في شباك خطابك الناري، وما علينا سوى التعامل بهدوء في النقد الذي يصب في تغيير الفعل أو السلوك غير المقبول دون جرح مشاعر الغير أو تعنيفه، فالكلمة الرقيقة في التوجيه تأخذ مكانها من العقل والوجدان.