ثقافة التكافل
الترابط الاجتماعية عنصرا هاما، في تشكيل أمة حية قادرة على النهوض، وممارسة دورها الإنساني والاخلاقي، سواء على الصعيد الداخلي او الخارجي، بحيث تتحرك وفق ضوابط واضحة، فيما يتعلق بتكريس القيم الأخلاقية على مختلف الأصعدة، الامر الذي يصنع الفرق مع الأمم الأخرى، خصوصا وان غياب المثل الإنسانية والأخلاقية، يقود الى التفكك، وسيطرة القوة والاجرام.
التكافل الاجتماعي مبدأ واسع، قادر على استيعاب كافة اعمال الخير، والمبادرات ذات الأثر الأخلاقي والإنساني، بمعنى اخر، فان محاولة قصر التكافل الاجتماعي، في بعض المفردات، يفقد هذا المفهوم مدلولاته، مما يستدعي استقطاب جميع المبادرات الفردية والجماعية، لتشكيل كيان واسع لتحقيق الترابط الاجتماعي، وطرد كافة الاعمال الساعية، لتغليب العمل الشخصي، والمصلحي على النشاط الخيري، نظرا للآثار السلبية المترتبة، على طغيان الحالة الانانية، على العمل التكافلي في المجتمع، ”و تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان“.
مبدأ التكافل مرتبط بنوعية الثقافة، التي يتغذى عليها الفرد في المجتمع، فالمرء الذي يتربى على مفردات المساعدة، وجمع الكلمة، وإغاثة الملهوف، وتوقير الكبير واحترام الصغير، غيرها من القيم الأخلاقية، والإنسانية الراقية، يمثل بذرة صالحة لنشر مبادئ التعاون، وتقديم العون للمحتاج في المجتمع، مما يسهم في تشكيل قاعدة اجتماعية متينة، قادرة على مواجهة نكبات الدهر، والتغلب على جميع أشكال تكريس الشقاق، في المجتمع، وسلب الحقوق بدون وجه حق.
عملية بناء ثقافة التكافل الاجتماعي، بحاجة الى أسس راسخة، تعتمد على محاكاة الفطرة الإنسانية، والأخلاقية في الوقت نفسه، خصوصا وان الفطرة السليمة تستجيب بشكل طوعي لدعوات مساعدة المحتاج، وبالتالي فان محاولة استغلال الحس الإنساني الطاهر، امر هام لتكريس التكافل الاجتماعي، بمعنى اخر، فان المرء يستجيب في الغالب لنداءات الاستغاثة، الصادرة من الطرف الضعيف، مما يجعله يبادر لتقديم المساعدة، وفقا للإمكانيات المتاحة.
تغليب المصلحة العامة على الاهواء الذاتية، عنصر أساس في تحريك الفرد، باتجاه تكريس التكافل الاجتماعي، لاسيما وان النظرة الجماعية تولد حالة إيجابية، لمحاولة توفير الظروف المناسبة، للنهوض بشكل كامل، الامر الذي ينعكس على الجميع، فيما ستكون الاثار المترتبة على النجاح الفردي محدودة، بالقياس للآثار الإيجابية، الناجمة عن النجاح الجماعي.
الفوارق المادية، وتباين المراكز الاجتماعية، يسهم في تعزيز التكافل الاجتماعي، فالشرائح الغنية قادرة على تسخير الموارد المالية، في تقديم المساعدة، بما يقوي الروابط الاجتماعي، ويحول دون توسيع الفجوة بين الشريحة الغنية والفقيرة، في المجتمع الواحد، كما ان الشخصيات الاجتماعية النافذة، تلعب دورا كبيرا في خلق الظروف المناسبة، لتقوية العلاقات الاجتماعية، سواء عبر تشجيع أبناء المجتمع على السير قدما، في إطلاق المبادرات الهادفة للنهوض بالامة، او عبر حث أصحاب رؤوس الأموال، لمواصلة العطاء بما يحقق المصلحة العامة، وتزيد من قوة المجتمع، والحيلولة دون تفكيك اللحمة الواحدة، ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾.