محطة القطيف للنقل العام والشحن البري
يصف أحد مدراء المدارس الابتدائية كيف تعلق قلب طلبة مدرسته بالحافلات الكبيرة التي يشاهدون كل يوم عند دخولهم للمدرسة وخروجهم منها، وكيف صار الطلبة على معرفة جيدة بأسماء وأحجام ونوعية تلك الحافلات والكثير من التفاصيل حتى أصبح جلهم يتمنى ويحدث نفسه أن يصبح في المستقبل سائق حافلة، كل ذلك من تأثير وجود مرآب للحافلات «كراج» بجانب تلك المدرسة المستأجرة.
لست بصدد تحليل نفسي ودرجة التأثير لوجود مرآب للحافلات بجانب مدرسة ابتدائية أو في وسط حي سكني أو غير ذلك، لكنه جزء من مشكلة متعددة الجوانب آخذة في الاتساع، وهي انتشار كراجات الحافلات في القطيف وتحديداً في الاحياء السكنية المختلفة وبطريقة بدائية وعشوائية لا تخطئها العين، والحديث هنا ليس مقتصراً على الحافلات فقط بل ايضا الشاحنات والعربات المختلفة الاحجام والأنواع، وما يزيد الطين بلة أيضا تلك الشاحنات التي تتوقف في أي حي سكني كيفما اتفق ودون أي اعتبار لمخاطر ما تحمله تلك الشاحنات والصهاريج من مواد خطرة لا تتسع لها الاحياء السكنية، بل ليس مكانها الأحياء السكنية. هذه الظاهرة وهذه العشوائية أنتجت مشكلات أخرى من قبيل تحرك هذه الشاحنات والحافلات بين الاحياء السكنية ليل نهار وكأنها سيارة صغيرة وقيادتها بطريقة مخيفة ومن قبل صغار السن من السائقين، بل حتى إيقافها بجانب منزل سائقها وكأنها سيارة صغيرة، حتى صرنا نرى حافلات وشاحنات تالفة داخل الأحياء، وكل هذا مما يغير من ملامح الاحياء السكنية ويعرض صغار وكبار سكان الاحياء لمخاطر عدة.
هذا الوصف هو ابسط توصيف لمشكلة يشترك في مسؤوليتها إدارة المرور والبلدية والدفاع المدني والمجلس البلدي والمجلس المحلي ايضا، وإلا كيف يمكن تصور - على سبيل المثال لا الحصر - مناطق مسماة صناعية للورش والمصانع ونرى فيها كل شيء بما فيها المقاهي والمخابز والمطاعم والمحال الترفيهية، ولا نرى فيها الحافلات وكرجاتها - المرخصة وغير المرخصة - وسيارات الصهاريج في داخل الأحياء السكنية وعلى نواصي الشوارع الضيقة أساساً!! لذا يمكننا اختصار شكل وأسباب هذه المشكلة في النقاط التالي: -
عشوائية في إصدار رخص كراجات الحافلات والمعدات الثقيلة.
عدم تطبيق نظام أو هيكل تنظيمي لتنظيم حركة الحافلات والشاحنات.
عدم وجود الرقابة من قبل إدارة المرور والدفاع المدني على هذا النشاط والحركة ككل.
عدم قيام الأجهزة المعنية بأي مبادرة أو تحرك بهذا الخصوص.
بالطبع نحن لا ندعو لإلغاء التصاريح البلدية لهذه الكراجات أو إخراج الحافلات والشاحنات من مدينة القطيف، فنحن لسنا محصورون بين هذين الخيارين فقط، بل كيف لنا أن نتجاهل أهمية الحافلات والشاحنات في القطيف خصوصا! بل نحن بصدد البحث عن البديل عن هذه العشوائية وكيف نحول مثل هذه المشكلة الكبيرة إلى فرصة ذهبية تستفيد منها المدينة والمنطقة، وهذا هو صلب المقال.
عندما ننظر لمدينة القطيف نظرة عامة نراها أنها مدينة ساحلية تقع متوسطة بين أكبر شركتين عالميتين سعوديين، ولديها إرث تاريخي عميق وتراث زاخر وطاقات بشربة عديدة ومميزة، لكن وبالرغم من كل هذا لا يوجد بها مشروع تنموي اقتصادي واحد له علاقة بالدولة الحديثة بالمملكة والقفزات الاقتصادية للمملكة!!
أما عندما ننظر للقطيف من الداخل، فنجد أن معظم شوارعها ضيقة ومهترئة وغير طويلة أو مستقيمة بل متعرجة وقصيرة وسبب ذلك راجع لكون ”التخطيط“ للشوارع لا يتم للمدينة كاملة «تخطيطًا استراتيجياً» بل يتم - بالقطعة - على نطاق الأرض أو جزء منها، أما الناس فالغالبية العظمى تعمل أو تدرس «الدراسة الجامعية» خارج مدنية القطيف، لذا يصبح خيار استخدام السيارة هو الخيار الوحيد لهم، فتجد القطيف في كل صباح في حالة استنفار وتلك الشوارع الضيقة تضج بحركة السيارات، وهو ما دعا الكثير من اهالي القطيف صغاراً وكبار نساء ورجال لاستخدام الحافلات المختلفة - كخيار مناسب - للتنقل في داخل القطيف وإلى خارجها، للوصول لمدارسهم وأعمالهم المختلفة، وهنا ملاحظة مهمة وهي أن أهل القطيف هم الأكثر نسبة - بين السعوديين في المملكة - تنقلاً بالحافلات سواء في داخل القطيف أو بين مدنها بل حتى إلى خارج المملكة ايضا، وهذا ما يفسر عدد كراجات الحافلات الكبير نسيباً في القطيف مقارنة بحجم مساحة المدينة، فهناك حالة من التفضيل للتنقل الجماعي ولا وجود لذلك الحاجز النفسي بهذا الخصوص.
أما عندما ننظر حول مدينة القطيف، فنجد مطار الملك فهد الدولي الذي يقع فعلياً - لا إدارياً - ضمن نطاق القطيف، وكذلك مشروع المترو الذي يربط مدن الخبر والدمام والقطيف ببعضها وكذلك لا ننسى وجود محطة شركة النقل الجماعي بالدمام التي اصبحت صغيرة ولا يمكن أن تتوسع وهي داخل الأحياء السكنية لمدينة الدمام، فكأنها جزيرة منعزلة لا يمكن ربطها بأي محطة أخرى أو التكامل مع المترو «المشروع المتوقع» أو بالمطار مباشرة نظرا لبعدها عنه.
أن حاجة المملكة لتقنين استهلاك الوقود واحتمالات ارتفاع اسعاره، وكذلك ارتفاع معدل النمو السكاني في المملكة بشكل عام الذي زاد عن 2,2 - 2,4% والقطيف على وجه الخصوص، وكذلك الزيادة المتوقعة لعدد السيارات بعد السماح بقيادة المرأة للسيارة، كلها عوامل إضافية تدعو بإلحاح لإنشاء محطة نقل جماعي للركاب وشحن بري يخدم أهالي منطقة القطيف والمناطق المجاورة. لتحقيق المنافع التالية:
إلغاء حالة العشوائية الحالية بتنظيم ونقل الكراجات المرخصة وغير المرخصة إلى محطة نقل الركاب الحديثة والمجهزة ”المقترحة“.
تقديم خدمات نقل ركاب وشحن بري وخدمات مساندة في منطقة محددة ومعروفة بشكل متطور يخدم المنطقة وتكون رافد اقتصادي للمنطقة ومتوائمة مع ما تنشده المملكة من تطور في مجال النقل.
تقديم خدمة نقل ذات جودة أفضل تحفظ حقوق الجميع
توفير بيئة تنافسية سليمة تساعد على تحسين الخدمة وتقليل التكاليف على الراكب ومقدم الخدمة.
تشجيع استخدام النقل الجماعي وزيادة فوائده مقارنة بالبدائل الأخرى.
توفير فرص عمل وتجارية واستثمارية أكثر من خلال افتتاح محطة نقل الركاب وتقديم الخدمات المساندة.
كل هذه المعطيات تجعل مقترح إنشاء محطة نقل جماعي وشحن بري في القطيف قريبة ومتكاملة في الخدمات مع المطار ومشروع المترو المنتظر، هو فكرة قابلة للدراسة الجادة والعالية الأهمية. كما أن فوائد هذا المشروع لا تخطئها العين سواء على مستوى: -
العوائد المادية الجديدة المتوقعة للجهة التي ستشرف عليها.
الخدمات والمزايا في خيارات ومستوى التنقل لكل سكان المنطقة الشرقية
تطوير خدمات النقل داخل مدينة القطيف والقضاء على مشكلات وجود كراجات الحافلات والشاحنات والصهاريج داخل مدينة القطيف التي يعاني منها الأهالي.
الفوائد المتوقعة والقيمة المضافة للمنطقة الشرقية بعد تكامل خدمات المحطة بخدمات المطار ومحطة المترو.
نحن نتحدث عن مشروع ينتج ما لا يقل عن 3000 وظيفة جديدة، وعشرات من المشاريع التجارية، كما أنه سيرفد المنطقة بخدمات لوجستية أساسية تفتقدها المنطقة وتكون حلقة في سلسلة لتكامل وسائل النقل بالمنطقة.
أن مثل هذ المقترح يحتاج وينسجم مع مقترحنا السابق بإنشاء الهيئة الملكية لتطوير القطيف كي تتولى تنفيذ كل الأعمال التنموية والتطويرية التي تحتاجها القطيف بمستوى عالي من الجودة ودون تعثر أو تأخير غير مبرر.