آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 10:30 ص

ثقافة الشكر

محمد أحمد التاروتي *

نكران الجميل صفة سيئة لدى بعض البشر، حيث يعمد لتجاهل فضل الله والاخرين، والادعاء ب ”العصامية“، في الوصول المكانة التي يحتلها، اذ يحاول التذلل وإظهار الضعف، والمسكنة لتحقيق المآرب، بيد ان الأمور تنقلب رأسا على عقب، بمجرد الإحساس بالقوة، وامتلاك مصادر السلطة، الامر الذي يدفعه للتكشير عن الأنياب، ومحاولة نسف الاخرين، وإزالة كل من يعترض طريقه، عبر استخدام الحيلة والمكر، والدهاء، او غيرها من الأساليب الخبيثة.

الاعتراف ونسب الفضل لاهله، لا يمثل ضعفا بقدر يعكس نفسا طاهرة، فالمرء النظيف لا يجد حرجا، في التذلل لاصحاب الفضل، لاسيما وان الانسان مهما بلغت قوته، وسلطته بحاجة الى الاخرين، للحصول على المعرفة واكتساب العلم، بمعنى اخر، فان محاولة التخلص من رفقاء الطريق، او دفن الشخصيات التي تركت بصمة، على المسيرة الحياتية، يشكل حالة من فقدان المستوى الأخلاقي،، ”من لم يشكر الخلق لم يشكر الخالق“.

الشكر بحد ذاته امر محمود، ومطلوب في مختلف الأحوال، فأصحاب الاخلاق السامية، لا يتركون مناسبة خاصة، او عامة دون التذكير، باصحاب الفضل في تحقيق النجاح، الامر الذي يسهم في مواصلة الارتقاء، في عيون الكثير من الشرائح الاجتماعية، ”لئن شكرتم لأزيدنكم“، وبالتالي، فان محاولة صنع هالة من العظمة، على الذات، لا يخفي الحقائق على الاخرين، فالحقيقة مهما حاول البعض إخفائها، ودفنها عن الاخرين، سيأتي يوم تنكشف امام الرأي العام، الامر الذي ينعكس على مستقبل تلك النفوس المريضة، سواء بالبيئة الاجتماعية، الضيقة او الواسعة.

استخدام الوسيلة المناسبة للتعبير عن الشكر، واستذكار الفضل عملية بالغة الأهمية، اذ قد تتحول طريقة الاعتراف بالجميل الممجوجة وغير اللائقة، الى وبالا ورفضا، سواء من الطرف المقابل، او البيئة الاجتماعية، خصوصا اذا ترافقت مع إظهار حالة من الانكسار والذل، مما يفقد هذه الصفة الأخلاقية النبيلة قيمتها، كما ان الانسان النبيل يرفض مشاهد الاخر في موقف الذل والانكسار، نظرا للآثار السلبية المترتبة، على مثل هذه السلوكيات، على حالة الشموخ والاعتزاز، في النفس البشرية.

مظاهر الاعتراف بالفضل تتعدد تخلف، فكل شخص يمتلك طريقة خاصة لإظهار الشكر للآخرين، فالوسيلة المستخدمة لدى بعض الأطراف، ليست بالضرورة في مناسبة جميع الظروف والأوقات، الامر الذي يستدعي اختيار الأسلوب والظرف المناسب، لاسيما وان الأمور قد تتحول الى عكسها، بحيث تجلب الغضب والاستنكار، عوضا من الحصول على المدح والثناء، وبالتالي، فان الحكمة تقتضي وضع الأمور في مواضعها، وعدم محاولة تقليد الاخرين، خصوصا وان لكل شريحة اجتماعية ظروفها وأهدافها، لاختيار توقيت الشكر وإظهار آيات الشكر والعرفان، لاصحاب الفضل سواء على الصعيد الفردي او الاجتماعي.

يبقى الشكر صفة أخلاقية نبيلة مطلوبة على الدوام، ولكن البعض يحاول دفنها لأغراض شخصية، فيما البعض الاخر يفتقد الحكمة في تجييرها، بالشكل المطلوب، وبالتالي فان الطرف الأول شخص، يفتقر للقيم السامية والفطرة السليمة، التي تدعو لإظهار الشكر، لاصحاب الفضل والعرفان، فيما الطرف الثاني لا يمتلك الكياسة اللازمة، لاستخدام الشكر في الطريقة المناسبة، مما يستوجب الرفض والاستهجان، وعدم القبول على الأسلوب، دون إنكار النوايا الحسنة.

كاتب صحفي