آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 11:51 ص

ثقافة التخدير

محمد أحمد التاروتي *

يتحرك البعض لممارسة نفوذه على البيئة، من خلال استخدام الإمكانيات المتاحة تحت يديه، بالإضافة لمحاولة الاستعانة بالعناصر القادرة، على اسكات الأصوات الرافضة، الامر الذي يدفعه لانتهاج مختلف الأساليب، المشروعة والمحظورة، فالوسيلة ليست ذات أهمية ما دامت تحقق الهدف المنشود.

التخدير وسيلة ناجعة لقيادة المجتمع نحو الهاوية والهلاك، فعملية التنويم المغناطيسي تتطلب وجود بعض القدرات، للإمساك بمقدرات الأمة دون منازع، او بروز أصوات تبطل مفعول التخدير المؤقت، فتارة تكون عملية التنويم بطرق محببة لمختلف الشرائح الاجتماعية، لالهاء الناس عن التفكير في القضايا الجوهرية، والانشغال بالامور الهامشية، وتارة أخرى يكون التخدير برفض مختلف أشكال التطور، ودفع المجتمع للتمسك بالتقاليد الاجتماعية السائدة، باعتبارها الوسيلة المثالية للمحافظة على تماسك المجتمع، حيث تروج عبر اعلامها، ان دعوات التجديد ظاهرها الإصلاح، وباطنها الإفساد والتخريب، ﴿وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً.

التنويم الاجتماعي ينطلق في الغالب، من مخاوف فقدان النفوذ والسلطة، لاسيما وان وجود دعوات مضادة ترفض السيطرة الكاملة على المجتمع، تشكل خطورة حقيقية على أصحاب النفوذ الاجتماعي، الامر الذي يمهد لصراع قوي بين الطرفين، فالأول ينطلق في محاربة الدعوات التجديدية من خسارة السلطة، مما يدفعه لاستخدام شتى الأساليب للحيلولة، دون صحوة الناس من السبات الكبير، ﴿أن نترك ما يعبد آباؤنا، فيما ينطلق الطرف المنافس من المفاسد الكبرى المترتبة، على استمرارية غفلة الأمة، وتشبث أصحاب النفوذ بالسلطة الاجتماعية، الامر الذي يحول دون النهوض، وعرقلة عجلة التقدم على غرار الأمم الأخرى.

تمثل الطاعة العمياء، والانقياد لاصحاب النفوذ، دون تفكير احد الأسباب، وراء التخدير الجماعي، لبعض الأمم، فالأمم التي تعطل القدرات العقلية، وتستسلم للعاطفة، يسهل قيادتها للهاوية، والبقاء في التيه والضياع، ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ، بمعنى اخر، فان المجتمع الذي يرضى التسلط على رقابه، يتخبط في مختلف المشاكل، بحيث ينعكس على قدرته على مقارعة الأمم الأخرى، اذ يتفشى فيه التخلف، والفقر، جراء تحكم مجموعة قليلة بمقدرات الأمة، ﴿وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ.

اُسلوب التخدير الجماعي، احد الوسائل العديدة، التي يستخدمها أصحاب النفوذ، في بسط السلطة، ومواصلة مختلف أنواع القهر والتجبر، فهذه الطريقة تعتبر ”الجزرة“، مقابل العنف والقتل، والذي يمثل ”العصا“، فأصحاب النفوذ يحاولون تنويع أساليب القهر، تبعا للظروف الزماني والمكاني، اذ تحتاج بعض الملفات لأسلوب العنف، والعين الحمراء، فيما تتطلب بعض الملفات الى الملاطفة، واللين، واستخدام طريقة التخدير، لتحقيق الغرض المطلوب، لاسيما وان الطريقتين تؤتي ثمارهما في الغالب، ﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ.

كاتب صحفي