إطروحات رجل الدين، وأزمة النصوص
جميعنا يوما من الايام جابت في عقله بعض الشكوك حيال بعضٍ من الأحكام أو النصوص الإسلامية التي كانت تشكل تضاربات كثيرة في عقولنا، وكل هذه الشكوك اذا حصلت على إجابات تدحرها، فسوف ترسخ وتقوي إيمان الشخص نفسه مثل قوله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ «البقرة، 26».
ولا ننسى أن هنالك جدلا كبيرا حول علاقة الدين بالعقل من تلك الازمان المغبرة إلى يومنا هذا. هل تتم معالجة أي أطروحة متعلقة بالدين عقليا أم هنالك ما يتعطل عنده العقل؟
نعم، هنالك ما يتعطل عنده العقل، من أمور عبادية او أمور غيبية؛ مثل: لماذا شرع الله عدد ركعات صلاة العصر أربع ركعات وغيرها من الأمثلة التي لا يعرف حكمتها سوى الله عز وجل.
دعونا نبدأ حديثنا عن صحة مصادرنا التي نأخذ منها نصوصنا، فكما تعلمون بأن اخواننا السنة لديهم صحيحان اثنان لرواة موثوقين «بغض النظر عن الاختلاف المذهبي» وهم البخاري ومسلم، وبينما نحن لدينا مصادر بها الأحاديث والروايات الضعيفة منها والقوية وأيضا لرواة موثوقين، ولكن نحن لا نملك مصدرًا للروايات والأحاديث القوية فقط، وهذا - ربما - البعض يراها نقطة ضعف لدينا فيما نملكه من أحاديث وروايات كثيرة ضعيفة في مصادرنا. ولكن هنالك عدة أسباب تتوجب علينا بالأخذ بالروايات الضعيفة، فكونها ضعيفة هذا لا يعني بأن ناقلها كاذب فلضعفها عدة أسباب ومنها تعارض التوثيق أو كان أحد رواتها مجهولا، بينما من جهة أخرى هنالك أحاديث وروايات موضوعية، وهي من كان أحد رواته كاذبا أو غير معاصر لشخص المروي عنه، فهنا علينا ان نتأكد من صحتها ولكن كونها رواية ضعيفة فهذا لا يسقط قيمتها وتعد رواية صحيحة.
وهنالك بعض الظروف السياسية التي مر بها الرواة عن الأئمة - سلام الله عليهم - كان يتوجب عليهم أن يكونوا على تقية. فكما نعلم بأن التقية هي موجودة في مذهبنا وديننا أيضا كما قال تعالى ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ «النحل، 106» والمرجو منها ليس الخوف بل درء الفتن، في بعض الأزمنة التي مرّ بها أهل البيت - سلام الله عليهم - كان المتوجب عليهم أن يكونوا على تقية لدرء المفاتن وتفرقة المسلمين؛ لهذا من الممكن بأن هذه الرواية قالها الأمام وهو في تقية فهنا يجب علينا دراسة مضمون الرواية من عدة نواحي. ورأيت روايات وأحاديث أخرى في نفس المضمون وتقديم القرآن والسنة، وعمل بعض المقارنات لمعرفة الحقيقة.
فبعد ما تأكدنا من صحة الرواية نأتي الآن إلى بعض التفسيرات المغلوطة، التي تقال في المجالس والمناسبات عن طريق بعض المتدينين أو الخطباء من كانوا يحجمون الدين بحدود فهمهم الضعيف ويتم فيه تهميش العقل بشكل تام، ولا يقبلون التفكر بالمعنى الحقيقي للرواية، وينظرون فقط للمعنى الظاهري فقط.
في إحدى ليالي عاشور قال الشيخ حسن الصفار قصة تتطرق الى هذا الجانب وهي: كان أحد المتدينين يريد أن يشرح للناس حكم طهارة السمن بعد سقوط فأر فيه، والمعروف بأن الفأر إن خرج حيّا فإن الزيت لا ينجس، ولكن هذا المتدين يقول المقصود هنا: إذا خرج الفأر ثعبانا «حيا». فهنا نرى أن هذا التفسير المغلوط لا يمكن للعقل تقبله، فهذا ينطبق تحت تهميش العقل وتحجيم الدين.
وأيضا هنالك بعض الإسرائيليات التي تداخلت في تراثنا الإمامي.
دعونا أولا أن نعرّف الإسرائيليات، الإسرائيليات هي: الروايات التي يرجع أصلها إلى رواة يهود وانبعثت هذه الإسرائيليات عن طريق يهود مكة والمدينة وغيرهم، ومنهم من كان محاربا للإسلام. لكن هنالك بعض الإسرائيليات صحيحه ويمكننا المشي عليها إذا كانت تطابق القرآن والسنة الشريفة.
غير أن ثمة الكثير منها غرضها الوحيد هو لمحاربة الإسلام. وهنالك كثير من الأمثلة ومنها خلق حواء من ضلع ادم الأيسر وأيضا مضاجعة بنات نوح معه والكثير والكثير منها.
فدور رجل الدين هنا أن يقف أمام الخرافات المشوهة للدين، التي لا تحمل أي مصدر موثوق ودحر هذه الشكوك والرد عليها بأسلوب صحيح لا باستهزاء وتكفير، ففي أحد المجالس التي حضرتها في عاشوراء كان هنالك خطيب يستهزئ بأحد الدكاترة المعروفين في المجتمع فوق المنبر؛ لأنه طرح مسألة أثارت شكوكه ويريد إجابة لها.
ومن جانب آخر ذهبت إلى خطيب اخر وكان حينها يعتذر لأنه قد ذكر رواية ليست موجودة من الأساس فهو كان بمقدوره أن يصمت ولكن فعل الصواب في تبيينه للناس.
ومن هذا المنطلق باعتقادي بأن بعض الروايات غير المتداولة يلزم الخطيب بذكر مصدرها وصحتها.