أقصر الطرق إلى تحطيم معنويات الطفل وتدمير شخصيته
مناداة الطفل منذ نعومة أظافره بألقاب وألفاظ وعبارات تحمل مدلولات ومضامين سلبية وسيئة، أو فاحشة ونابية، أو تتجلى على شكل أقوال وتصرفات ملئها السخرية والاستخفاف والتهكم، هو أسلوب خاطئ في التعامل مع الطفل، كما هو أمر مضر به ومهين له. فهي كما تسيئ إلى الطفل وتؤذيه، هي كذلك تشوه صورته الحقيقية، وتفقده الشعور بأهميته كفرد في الأسرة، أو في المدرسة، أو في المجتمع، وتنمي لديه الروح العدوانية، والسلوك التخريبي، وتؤدي إلى إصابته باضطرابات نفسية تؤثر في تكوين شخصيته، وتخلق لديه الكثير من المشكلات والعقد، كعدم الثقة بالنفس، أو كره الآخرين والحقد عليهم، وربما تؤدي به إلى العزلة والصمت والشرود الذهني.
إن هذه الألقاب والألفاظ والعبارات السلبية والسيئة تعد من أشكال العنف اللفظي التي يتعرض لها الطفل، حيث تتنوع الأشكال اللفظية التي يستخدمها الآباء تجاه أبنائهم. فقد كشفت نتائج دراسة سعودية أن 38,7 في المائة من الأطفال يتعرضون للإساءة المشاعرية من خلال بعض الكلمات مثل: غبي، كسلان، قبيح، والتي تهين الأطفال وتتأثر بها مشاعرهم باتجاه الأسوأ. وشملت عينة الدراسة الميدانية التي أعدها الدكتور علي الزهراني بكلية الطب في جامعة الطائف، واستغرقت ثلاثة أشهر 800 من الذكور والإناث، من فوق 18سنة، حيث بلغت نسبة الذكور الذين أجريت عليهم الدراسة 66 في المائة.
واشارت الدراسة إلى أن أكثر الأطفال الذين يتعرضون لهذه الكلمات تتراوح أعمارهم بين 10 و15 سنة، وهي ما تسمى بمرحلة المراهقة عند الإنسان. وقد أوضحت الدراسة، أن الآباء يأتون في المرتبة الأولى من حيث الإساءة إلى الأطفال، في حين يأتي في المرتبة الثانية الاخوة الذكور الكبار، يليهم الأقارب، ثم الأمهات، وبعد ذلك المعلمون والزملاء.
وأشار الزهراني، إلى أن أخطر ما يتعرض له الأطفال من جراء هذه الكلمات، هو الاضطرابات النفسية، والتي تبقى مع الإنسان حتى في الكبر، وعادة ما يكون الآباء في غفلة عن أسباب هذه الاضطرابات والأمراض، والتي منها انخفاض تقدير الذات، والاندفاعية، والعدوانية، والقلق، والاكتئاب". [1]
ربما في بعض الأحيان يتعامل الطفل مع الألفاظ والألقاب التي تطلق عليه بلا مبالاة، كونه لا يفهمها، وغير مدرك لمعانيها. غير أنه مع مرور الوقت والتقدم في العمر يبدأ في فهم معانيها ودلالاتها، لكن بعد أن يكون اللقب قد التصق به، وتحول إلى صفة ملازمة له، بل ربما لا يُعرف إلا به، حينها يصبح اللقب عائقاً نفسياً يصعب تجاوزه، مما يسبب له شعوراً بالنقص، وعدم ثقة بالنفس. إلا أن الطفل في أحيان أخرى يحاول التغلب على المشاعر السلبية في داخله من خلال التكيف مع آثار الألقاب والأوصاف التي ألصقت به، إذ أنه يصعب مع تكرار مثل هذه الألقاب والجمل على مسامعه تغييرها وإزالتها من ذهنه وذاكرته، أو إقناعه بعكسها كلما كبر وتقدم في العمر.
وحين تكون الألقاب ذات المدلولات والمضامين السلبية والسيئة مضرة بالطفل، فإنه من غير اللائق وصفه بها، بل من المستحسن مناداته بالألقاب الحسنة والجميلة، وتوصيفه بعبارات إيجابية وتربوية تحمل التوجيه والإرشاد، والبعيدة كل البعد عن اللغة المهينة والمسيئة، أو تلك الساخرة والمتهكمة، والحرص على انتقاء الكلمات الطيبة المناسبة التي تؤثر بشكل إيجابي على معنوياته، وتبني شخصيته وتنميها.
يشير المرشد النفسي والاجتماعي عمر إسماعيل أحمد إلى "أن لقب الطفل عندما يكون مقبولاً ومنتشراً بين الجماعة فإنه يسهم كثيراً في النمو النفسي والتكيف والتوافق مع هذه البيئة التي يعيش فيها، بينما اللقب القبيح أو الغريب أو الذي يكون من خارج بيئة الطفل يجعله محل التندر والاستغراب والتحريف في اسمه من قبل أقرانه، الأمر الذي ينعكس سلباً على نفسية الطفل.
ويضيف إسماعيل بأن ذكر أي صفة غير لائقة في شخص ما تولد اليأس والتشاؤم والشعور بالنقص في نفسه، لأن الألقاب ترسخ في لاوعي الفرد، وتعطي انطباعات معينة عنه وعن طبائعه، ويبدأ في الاقتناع بأنها هي حقيقته وواقعه الفعلي، وبالتالي تتسبب له بنوع من الإحباط وعدم التطور في حياته، فيصبح إنساناً سلبياً وانطوائياً ومنكفئاً على ذاته وينسحب من المجتمع. لكن عندما تكون تلك الألقاب حسنة، ولها معان تدفع على الثقة بالنفس، فهنا يحدث العكس. فمن الواضح نفسياً بأن الأثر الاجتماعي والنفسي للذين تطلق عليهم هذه الألقاب، يفقدون قيمة الذات، وبالتالي يقل شعور الفرد بقيمة ذاته، مما يؤثر على ثقته بنفسه. وهذا ما يجعله متردداً وخائفاً وغير جريء، وبالتالي تقل إبداعاته ومقدرته على استخدام عقله وقدراته الإبداعية". [2]
خلاصة القول بأن الكلمات الطيبة دائماً ما ترتفع بمعنويات الطفل، وتطور ثقته بنفسه، وترتقي بمستوى شخصيته، فيما الكلمات النابية والجارحة تحطم معنوياته، وتهز ثقته بنفسه، وتدمر شخصيته. لذلك من المهم الابتعاد عن الألفاظ القاسية في التعامل مع الطفل، لما لذلك من آثار سلبية بالغة الشدة عليه نفسياً واجتماعياً، والعمل على خلق البيئة الصالحة التي تعزز السلوك الحسن فيه، وترفع ثقته في نفسه، وتنمي شخصيته وتصقلها، من أجل أن ينمو بشكل سليم، ويعيش وسط بيئته بشكل طبيعي، والابتعاد عن مناداته بالألقاب الفاحشة، أو قذفه بالتعابير المنكرة، أو إطلاق الألقاب السيئة عليه، كونها تطعن كرامته وتهينه وتجرح كبريائه.