آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

حوارية «35» للدكتور صادق

زاهر العبدالله *

هل هناك تعارض بين أن يعلم الأمام بكل شيء بإذن الله للأئمة وبين بعض العلم لا يعلمه الأمام أم هناك استثناء؟

س: هناك روايات تقول «أبو جعفر : يبسط لنا العلم فنعلم ويقبض عنا فلا نعلم»

السؤال اخي: هل هناك علم لا يعلمه أهل البيت خصوصاً أن هناك روايات تقول عندهم علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة

كما في رواية

قال الشيخ البهائي «ره» في شرح الأربعين في الجفر والجامعة قد تظافرت الأخبار بأن النبي ﷺ أملاهما على أمير المؤمنين وان فيهما علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. «1»

الجواب: بسمه تعالى

سؤالك جداً عميق وذو فروع كثيرة في علم العقائد لكن سأسلط الضوء على زاوية واحدة فيه

مقدمة الأولى:

للجواب على السؤال نحتاج أن نعرف ثلاث زوايا هامة هي:

1 - المسؤول ومقامه أي الذي يلقى عليه السؤال وهو المعصوم.

2 - السائل وقابليته للجواب إتساعاً وضيقاً

3 - العام في الآيات والروايات والمخصص منها. هنا سؤال

هل مفاد الروايات التي نقلتها في سؤالك تشمل مطلق العلم ظاهره وباطنه عامه وخاصه وهل يشمل علم الكائنات المثالية المجردة والمجهرية أم أن الروايات تتحدث عن استثناءات في العلم لا يطلع عليها أحد من خلقه وهل هناك فرق في العلوم بين المعصومين من الأنبياء والمرسلين ووالأئمة الطاهرين؟

هذا النوع من الأسئلة تدخل في المعارف الدينية التي يجب الإيمان بها اجمالاً لكن لا يجب الإيمان بها تفصيلا

وسيكون هنا جوابان جواب إجمالي وجواب عميق يحمل تساؤلات ندعها في محلها لأهل التخصص ومن يريد البحث العميق في العقائد في جانبها المعرفي

مفاد بعض الآيات وبعض الروايات أنه ليس معلوم بالضرورة أن مطلق العلم مفتوح للأولياء نعم في عموم شؤون الخلق في الأرض والسماء هم يعلمون لأن علم المعصوم علم حضوري افاضي من الحق سبحانه وتعالى ولكن هناك علم يحجب عن أوليائه الصالحين كلاً حسب درجته وقربه من الحق سبحانه ومدى استعداده إلا أن أهل البيت لهم خصوصية خاصة جداً في العلوم لأن علمهم أوسع الدوائر في العلوم الإلهية. كما سيتبين في الجواب.

تعال نأخذ بعض النماذج في القرآن الكريم

قال تعالى: ﴿عالِمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلى غَيبِهِ أَحَدًا [الجن: 26].

هذه الآية مطلقة ومفادها أن الله سبحانه وتعالى لا يظهر غيبه لأحد من خلقه. لكن لهذا الأطلاق تخصيص واستثناء ذكره الحق سبحانه وتعالى في قوله تعالى: ﴿عالِمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلى غَيبِهِ أَحَدًا﴿إِلّا مَنِ ارتَضى مِن رَسولٍ فَإِنَّهُ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ رَصَدًا[الجن: 27]

أي أن الله سبحانه وتعالى أعطى علم غيب بشكل متفاوت لأوليائه الصالحين من الأنبياء والمرسلين والصالحين ومن أبرز مصاديق ذلك العلم هم محمد وال محمد والدليل على ذلك

قوله تعالى ﴿تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنا بَعضَهُم عَلى بَعضٍ مِنهُم مَن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعضَهُم دَرَجاتٍ وَآتَينا عيسَى ابنَ مَريَمَ البَيِّناتِ وَأَيَّدناهُ بِروحِ...[البقرة: 253]

اذا لازم هذه الآية أن العلم والقرب والدرجة من الحق سبحانه وتعالى متفاوتة حسب كل واحد واستعداداته تجد ذلك واضحاً في

قصة موسى والعبد الصالح في قوله تعالى ﴿قالَ لَهُ موسى هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمتَ رُشدًا66 ﴿قالَ إِنَّكَ لَن تَستَطيعَ مَعِيَ صَبرًا67 ﴿وَكَيفَ تَصبِرُ عَلى ما لَم تُحِط بِهِ خُبرًا

[الكهف: 68]. إلى آخر الآيات الدالة على عجز نبي الله موسى في إدراك بعض العلوم

وهنا مطلب عقدي مهم هو:

الله سبحانه حكيم عليم قدير قال تعالى ﴿وَإِن مِن شَيءٍ إِلّا عِندَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلّا بِقَدَرٍ مَعلومٍ

[الحجر: 21]

أي كل شيء ننزله ونفيضه على الخلق له قدر محدود ومعين وهذا مبلغ الحكمة الإلهية

وسأستعين بذكاءك لمعرفة المطالب الأخرى في نفس السياق. أعود

هنا سؤال

هل هناك علم لا يعلمه أحد من خلقه؟

نعم والدليل قوله تعالى ﴿يَسأَلونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرساها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ رَبّي لا يُجَلّيها لِوَقتِها إِلّا هُوَ ثَقُلَت فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ لا تَأتيكُم إِلّا بَغتَةً يَسأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنها قُل إِنَّما عِلمُها عِندَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكثَرَ النّاسِ لا يَعلَمونَ [الأعراف: 187]

علم الساعة أو الصاخة أو القيامة وغيرها من المسميات هي خاصة به وحده لا شريك له.

وهناك علم آخر لا يعلمه الخلق وهو القدر

والدليل: روي عن أمير المؤمنين علي

حينما سئل عن القدر فقال «القدر سر من سر الله، وستر من ستر الله وحرز من حرز الله مرفوع في حجاب الله، مطوي عن خلق الله» [2] 

مفاد هذه الرواية هناك علم استأثر به الله نفسه وحده لا شريك له.

وهناك علم آخر وهو المحو والإثبات كما في قوله تعالى:

﴿يَمحُو اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتابِ

[الرعد: 39]

فالأولياء الصالحين يعلمون من الحق سبحانه بعلم البلايا والمنايا ولكن إذا عمل أحدهم عمل صالح كالصدقة أو صلة الرحم أو غيرها مما ترفع الحجب يبدل الله سبحانه قضاءه بسبب عمله لا لأنه لا يعلم أن سيقوم بذلك حاشاه ولكن الله ربط الأسباب بمسبباتها فهذا العلم يختص الله به وحده ويكشف هذا العلم إلا بدعاء الإمام المعصوم بالعلم به وفق مصلحة تقتضي ذلك وإلا فلا.

وأعلى درجات الإفاضة والكشف هم محمد وال محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام فقد حازوا من الفيض الإلهي ما لم يكن لغيرهم من الأولياء الصالحين قبلهم لمّ علم منهم الوفاء فكانوا باب الله الذي منه يؤتى. بهم فتح الله وبه يختم وهم أمناء الله على خلق

ولذا جعلهم شهداء على خلقه وإليك بعض الأدلة على ذلك

بصائر الدرجات: أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: سمعته يقول: إن عندنا جلدا سبعون ذراعا أملى رسول الله ﷺ وخطه علي بيده وإن فيه جميع ما يحتاجون إليه حتى أرش الخدش» [3] 

تعليق: لاحظ جميع شؤون الناس يعلمون بعلم الله سبحانه لماذا؟ لأنهم خزائن الله وحفظت علمه وأمناء على سره لكي لا تكون لأحد من الخلق حجة يوم القيامة بأن خفي عليه شيء من الأشياء.

وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا» [4] 

وعن معمر بن خلاد: سأل أبا الحسن رجل من أهل فارس فقال له أتعلمون الغيب؟

فقال: قال أبو جعفر : يبسط لنا العلم فنعلم، ويقبض عنا فلا نعلم. وقال:

سر الله عز وجل أسره إلى جبرئيل، وأسره جبرئيل إلى محمد ﷺ، وأسره محمد إلى من شاء الله.

روي عن زرارة: سمعت أبا جعفر يقول: لولا أنا نزداد لأنفدنا. قلت: تزدادون شيئا لا يعلمه رسول الله ﷺ؟ قال: أما إنه إذا كان ذلك عرض على رسول الله ﷺ ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا. [5] 

هنا تعليق عقدي: لاحظ هل هناك علم لا يعلمه رسول الله ﷺ ويعلمه الأئمة؟ أجابت الرواية بالنفي لأنه سيد الخلق قاطبة ولازمه أن يكون أعلمهم على الإطلاق وعلى الدوام والزوال.

وهنا رواية عجيبة في المقام أرجو أن تتأملها بقلبك وعقلك وهي: في رواية طويلة...

عن الإمام محمد الباقر ، ثم ابنه الإمام جعفر الصادق وهو الذي حل معاقد رموزه وفك طلاسم كنوزه.

وقال الإمام جعفر الصادق : علمنا غابر ومزبور وكتاب مسطور في رق منشور، ونكت في القلوب ومفاتيح أسرار الغيوب، ونقر في الأسماع ولا تنفر منه الطباع، وعندنا الجفر الأبيض والجفر الأحمر والجفر الأكبر والجفر الأصغر، والجامعة والصحيفة وكتاب علي»

وتفسير الرواية هو

، قال: لسان الحروف ومشكاة أنوار الظروف [قال:] أبو عبد الله زين الكافي: أما قوله: ”علمنا غابر“ فإنه أشار به إلى العلم بما مضى من القرون والأنبياء، وكلما كان من الحوادث في الدنيا، وأما المزبور فإنه أشار إلى المسطور في الكتب الإلهية والأسرار الفرقانية المنزلة من السماء على المرسلين والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وأما الكتاب المسطور فإنه أشار به إلى أنه مرقوم في اللوح المحفوظ.

أما قوله: ”نقر في الأسماع“ فإنه أشار به إلى أنه كلام علي وخطاب جلي، لا ينفر منه الطبع ولا يكرهه السمع، لأنه كلام عذب، يسمعونه ولا يرون قائلة فيؤمنون بالغيب. وأما الجفر الأبيض فإنه أشار إلى أنه وعاء فيه كتب الله المنزلة وأسرارها المكنونة وتأويلاتها. وأما الجفر الأحمر فإنه أشار به إلى أنه وعاء فيه سلاح رسول الله ﷺ، وهو عند من له الأمر، ولا يظهر حتى يقوم رجل من أهل البيت.

وأما الجفر الأكبر فإنه أشار به إلى المصادر الوفقية التي هي من ألف باتاثا إلى آخرها، وهي ألف وفق. وأما الجفر الأصغر فإنه أشار به إلى المصادر الوفقية التي هي مركبة من أبجد إلى قرشت، وهي سبعمائة وفق. وأما الجامعة فإنه أشار به إلى كتاب فيه علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وأما الصحيفة فهي صحيفة فاطمة ، فإنه أشار بها إلى ذكر الوقائع والفتن والملاحم وما هو كائن إلى يوم القيامة. وأما كتاب علي فإنه أشار إلى كتاب أملاه رسول الله ﷺ من فلق فيه - أي من شق فمه ولسانه المبارك - وكتب علي، وأثبت فيه كلما يحتاج إليه من الشرائع الدينية والأحكام والقضايا حتى فيه جلدة ونصف الجلدة. والجفر من حيث اللغة فإنه رق الجدي. [6] 

نقطة أخيرة في الجواب

هي قابلية القابل بمعنى

أن أهل البيت يسألون فيكون الجواب حسب قابلية السائل إذا يتحمل الجواب بخصوص علم الغيب بالنسبة له أجابه وإلا أمسك عن الجواب أين تجد ذلك هذه الرواية

في كلام طويل لأمير المؤمنين يقول: «لو حدثتكم بكل ما أعلم لقالت طائفة ما أكذب وأرجم، ولو انتقيت منكم مائة قلوبهم كالذهب ثم انتقيت من المائة عشرة ثم حدثتهم فينا أهل البيت حديثا لينا لا أقول فيه إلا حقا ولا أعتمد فيه إلا صدقا، لخرجوا وهم يقولون علي من أكذب الناس، ولو اخترت من غيرهم عشرة فحدثتهم في عدونا وأهل البغي علينا أحاديث كثيرة لخرجوا وهم يقولون علي من أصدق الناس!» [7] 

نستفيد من هذه الرواية طويلة الذيل أمر مهم في تفسير سؤالك وهو خلاصة البحث

هل هناك تنافي في الروايات بين العلم وعدم؟

لا يوجد تنافي بل اتساق وتكامل في المطالب والعلوم كما أشرنا في البحث

ماهي العلوم التي يفهم من الآيات والروايات أنها تقبض وتبسط؟

المحو والإثبات - علوم حسب درجة القرب الإلهي - قابلية المتلقي للعلم - يوم الساعة - القدر

وقد بينا ذلك بشكل مختصر عنها في الجواب ولكن لأهل البيت استثناء خاص بناءأ على الزوايا التي ذكرناها سابقاً في الجواب.

بقي آخر فرع وهو للأبحاث المعمقة في العقائد أتركها بشكل تساؤلات لو اردت التعمق فيها إن شاء نوفق لذلك

في كتاب بصائر الدرجات: رواى سلمة بن الخطاب، عن القاسم بن يحيى، عن جده، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله قال: خالطوا الناس بما يعرفون، ودعوهم مما ينكرون، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا، إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان» [8] 

الشاهد في الرواية: إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان

 ما هو الأمر الذي لا يتحمله العبد

وقوله تعالى: ﴿إِنّا نَحنُ نُحيِي المَوتى وَنَكتُبُ ما قَدَّموا وَآثارَهُم وَكُلَّ شَيءٍ أَحصَيناهُ في إِمامٍ مُبينٍ [يس: 12]

 من هو الامام الذي أحصى كل الأشياء فيه؟

وتكملة الآية في جانبها التأويلي قال تعالى ﴿وَيَومَ نَبعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيدًا عَلَيهِم مِن أَنفُسِهِم وَجِئنا بِكَ شَهيدًا عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلنا عَلَيكَ الكِتابَ تِبيانًا لِكُلِّ شَيءٍ وَهُدًى وَرَحمَةً وَبُشرى لِلمُسلِمينَ[النحل: 89]

 ماهي حدود الشيء الذي أحاطه القرآن الكريم وأن هذا الشيء أحصاه في إمام مبين.. تأمل

اخي الدكتور الغالي في الأسئلة الأخيرة ستجد إجابات أكثر عمقاً وتفصيلاً مما قدمنا في الجواب لكن عمادها قابلية المتلقي

أسأل من الله القبول وأرجو المعذرة على الإطالة أخي الكريم

 

[1]  المصدر: الكنى والألقاب - الشيخ عباس القمي - ج 2 - الصفحة 358.

[2]  المصدر: ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 3 - الصفحة 2504.

[3]  المصدر: العلامة المجلسي - ج 26 - الصفحة 35.

[4]  المصدر: الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - الصفحة 191.

[5]  المصدر الكافي - 1 / 256 / 1 منقول في كتاب أهل البيت في الكتاب والسنة - محمد الريشهري - الصفحة 234.

[6]  المصدر: إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب - الشيخ علي اليزدي الحائري - ج 1 - الصفحة 209.

[7]  المصدر: معجم أحاديث الإمام المهدي - الشيخ علي الكوراني العاملي - ج 3 - الصفحة 55.

[8]  المصدر: بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 2 - الصفحة 71.