ثقافة الموقف
التمسك بالموقف الصائب امر مطلوب، باعتباره طريقة لمقاومة المواقف الخاطئة، خصوصا في ظل الصراع القائم بين المبادئ الحقة على الأفكار الباطلة، وبالتالي فان حملة المواقف الصائبة يواجهون على الدوام حروبا طاحنة، من أصحاب الشياطين او المصالح الدنيوية، ﴿يريد ان يخرجكم من ارضكم فماذا تأمرون﴾، ﴿قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى ۚ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾.
في المقابل توجد شريحة تنطلق في مواقفها، من مصالحها الشخصية، فهي لا تتورع عن نسف كل من يعارض المواقف، التي تتبناها دون النظر لصوابية آرائها، او مجانبتها للحق، حيث تنطلق من مواقفها العدوانية، من خوفها على المكاسب الدنيوية، سواء كانت مادية او اجتماعية، الامر الذي يدفعها لمناصرة الطرف القوي او المنتصر، اذ لا تجد غضاضة، في تبديل جلدها، بين ليلة او ضحاها، ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، بمعنى اخر، فان التمسك بالمبادى الصحيحة ليس واردا، في قاموس هذه الشريحة الانتهازية، على الاطلاق.
تكمن خطورة انقلاب المواقف، في الاختلاف الجذري والصادم، بحيث يتحول الحرام الى حلال، اذ لا تعدم الشريحة الانتهازية الوسيلة، بالاستعانة بكل ما تمتلك من رصيد، لتبرير مواقفها الجذرية الجديدة، فتارة عبر البحث في بُطُون الكتب عن آراء داعمة، او بسبب المصالح المترتبة على المواقف الجديدة، حيث يتحدث التاريخ عن مواقف ساهمت في إراقة دماء زكية وطاهرة، اذ ساهمت الفتوى التي أطلقها شريح القاضي، في تبرير المذبحة التي ارتكبها عبيد الله بن زياد بحق سيد الشهداء بقوله ”خرج عن حده فقتل بسيف جده“.
مشكلة انقلاب المواقف في كونها، ”تتحول من الحلال الى الحرام“ بجرة قلم، و”يصبح الحرام الى حلال“ في لمحة بصرة، فالمجتمع ينام على حلال، ليصحو على حرام والعكس كذلك، مما يدعو للاستغراب حقا، هو إصرار تلك الشريحة على المواقف المتصلبة، في فترة سابقة، لكنها سرعان ما تخالف نفسها لتصبح متجددة، وقادرة على الاستجابة لمتطلبات الواقع، الامر الذي يفرض احداث مثل المواقف الجديدة، وغير المتوقعة على الاطلاق.
الخوف من السيف، او مصادرة الأموال، او فقدان الوجاهة الاجتماعية، تمثل عوامل أساسية، في اتخاذ المواقف المناقضة للقناعات الذاتية السابقة، اذ يحاول البعض استيعاب الصدمة، عبر اتخاذ مواقف مهادنة للموقف الرسمي، او المنسجم مع أصحاب النفوذ الاجتماعي، نظرا لعدم القدرة على إيقاف التيار الجارف، مما يدفع الشريحة النفعية للركوب على متن المركب، لتقليل الخسائر او الجناة من الغرق او عدم فقدان جميع المكتسبات، التي حققها خلال الفترة الماضية.
خسارة القاعدة الشعبية جراء المواقف الانقلابية، ليست في وارد لدى الشريحة الانتهازية، فهي تتحرك لانقاذها ذاتها من التداعيات المترتبة، على المواقف الرافضة للموقف الجديد، انطلاقا من المقولة ”الكرت الذي تربح به العب به“، بمعنى اخر، فان القراءة الجديدة للمواقف، تنطلق من مبدأ الربح والخسارة، وليس استنادا الى القناعات الشخصية.