كربلاء.. العطاء
حملت معركة الطف الخالدة معاني العطاء، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث تمثل العطاء في كل فصل من فصول يوم عاشوراء، ”ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى“، اذ لم يبخل سيد الشهداء على الإسلام بشيء، فقد بذل الأرواح الطاهرة قرابين رخيصة في سبيل الله، مما شكل انموذجا لا يتكرر على مر التاريخ، وبالتالي فقد خط بدمه الطاهر طريق الإباء والحرية، والرفض لمختلف أنواع الظلم، والاستبداد للبشرية.
تتجلى قيمة العطاء في ارض الطفوف، في المواقف التي أظهرها الامام الحسين ، في مواجهة رغبة الجيش الأموي، في سفك الدماء الطاهرة، من اهل بيت العترة وأنصاره، فبمجرد إطلاق عمر بن سعد شرارة الحرب، عبر رمي سهام نحو معسكر مظلوم كربلاء ، امر أصحابه بالنزول الى ساحة المعركة، بقوله ”قوموا الى الموت الذي لابد منه“، وبالتالي فقد مهد سبيل العطاء، منذ اللحظة الأولى، للنزال مع جيش ابن زياد.
اقدام سيد الشهداء ، على تقديم فلذة كبده علي الأكبر، كاول هاشمي يتقدم بعد مقتل جميع الأنصار.. يعطي دروسا للأجيال في معنى العطاء، وضرورة تقديم الذات في المواجهة، من اجل تحفيز الاخرين على بذل الغالي والنفيس، فالقائد الذي يتقدم القوم، يجد العزيمة والفداء من الأنصار، بخلاف القيادة التي تضحي بالآخرين، وتجلس فوق التل، تنظر الى نتائج المعركة من بعيد، فهذه النوعية من القيادات ليست قادرة على تحقيق الانتصار، او الاحترام على اقل التقارير.
لم يكتف الامام الحسين ، بتقديم مختلف القرابين من أنصاره واهل بيته، في سبيل الله، بل قام بتقديم عبد الله الرضيع ليسجل اسمه في سجل شهداء الطف، مما ساهم في تسجيل العطاء بأروع صوره، بالإضافة لذلك، فان سيد الشهداء واصل مشوار التضحية والعطاء، من خلال تقديم دمه الطاهر في يوم عاشوراء، وبالتالي فان مدرسة كربلاء الخالدة لم تقتصر دروسها، على معاني الصبر والفداء والبطولة، بل شملت كذلك العطاء بأبهى صوره، فالمرء يقف مدهوشا امام قدرة الامام الحسين ، على مواصلة تقديم الدماء الطاهرة الواحدة تلو الأخرى، اذ لم يشكل طابور الشهداء عاملا للتراجع، وإنما أعطت سِبْط الرسول دافعا، لمواصلة الحفاظ على القيم، والمبادئ، التي حملها في موقفه الرافض، لحرف دين المصطفى، فالعقيدة تستحق العطاء على الدوام، بمعنى اخر، فان ضريبة نصرة الإسلام، تتمثل في إراقة المزيد من الدماء، الزكية على ارض الطفوف.
الهدف السامي الذي يحمله سيد الشهداء ، يتطلب الكثير العطاء، بحيث لا يقتصر على انهر الدماء على ارض الطف، فالعطاء يستدعي حمل بنات الرسالة، في المسيرة الخالدة باتجاه كربلاء، بمعنى اخر، فان العطاء لم يقتصر على الرجال، في المعركة الحربية، مع الجيش الأموي، بل بحاجة الى العنصر النسائي، كنوع من التكامل الفريد من نوعه في قمة العطاء، بحيث شملت قافلة الشهداء، بعض بنات الرسالة تحت سنابك الخيل، او نتيجة الموت عطشا، جراء منع الامام الحسين من الوصول الى العلقمي، لأكثر من يومين.