الرسالة الأخيرة لحسن السبع
صباح الخميس، وبعد قراءة مقاله الأخير أرسلت له أسلم عليه وأبلغه آخر أخباري، وكانت آخر رسالة بيننا قبل فترة ليست بالقصيرة. ساعات قليلة وإذا الرسائل تتوالى: حسن السبع يرقد على السرير الأبيض. ومع تهرب العائلة من الإجابة عن حالته بوضوح عرفت أن الحالة خطرة. ياه! لماذا لم أرسل هذه الرسالة قبلها بيوم؟ لا بأس، سيقوم عمي ويقرأها ويرد عليها بحب كما العادة.
فجر الخميس التالي، وبعد أن قرأت قليلًا من رواية ليالي عنان ونمت، جلست وقد أتى الخبر: العم والوالد الحنون في ذمة الله. قمت متجاهلًا ذلك الخبر، بدأت يومي وأنهيته متحاشيًا النظر في وجه أي شخص أو الحديث مع أحد، حتى جلست لوحدي وبدأت استوعب، ضيقة صارت تلك الدنيا على وسعها. لماذا الآن؟ لماذا لم تقرأ رسالتي؟ لماذا لم تنتظر حتى أودعك، وأنا الذي أكره الوداع! لماذا تيتمنا يا عمًا كان لنا والدا منذ رحل والدنا؟
كان اللقاء الأخير بيننا خاطفًا، زرته في منزله وأنا في زيارة سريعة إلى المملكة قبل أكثر من سنتين، وكان وقتها قد تعافى للتو من عارض صحي. ابتعت له باقة ورد، ودخلت عليه في تلك الصومعة التي يحب، وقضينا فيها وقتًا قصيرًا، التقطنا بعض الصور وودعته ورحلت. لم يدر بخلدي أن تلك النظرة ستكون الأخيرة، وأن ذلك الحضن سيكون الأخير، كما كانت تلك الرسالة الأخيرة.
كل من ودعك بكلماته كان له عزاؤه الخاص، هذا يرى عزاءه في ما تركت من موروث أدبي نادر، وذلك يراه في حجم الحب والتقدير الذي لقيته في حياتك وبعدها، وآخر في ابتسامتك التي لم يغيبها سوى الموت. أما أنا فلا عزاء لي! أنا يتيم من بعدك يا حسن الخلق والأخلاق. مات أبي قبل أكثر من 15 عامًا، وكنت كلما نظرت إليك أردد مطلع قصيدة نزار قباني: «أمات أبوك؟......» لأنك كنت أبي والعمود الذي تسندت عليه طوال هذه السنين.
اليوم، نظرت إلى صورة تجمعنا، وبكيت، بكيت رسالتي الأخيرة التي لم تصل، بكيت اللقاء الأخير الذي لم يطل، ورددت ذات القصيدة: أمات أبوك؟ غير أنني كسرت البيت كما كسرنا رحيلك وأجبت: أجل يانزار، اليوم قد مات أبي.