واقعة السنور.. ذكرى مرور 21 عاما
- الزمان: 9 محرم 1418
- المكان: ساحة القلعة بالقطيف
- المناسبة: قراءة حسينية للشيخ حسن الصفار في حسينية العوامي
- الكاتب: عيسى احمد المزعل
كان يتقلب بين النوم واليقظة. كان فاقدا للإحساس بالزمان والمكان، الا ان صوت العويل ما فتأ يتواصل. هو صراخ امرأة بلا ريب، امرأة تحت التعذيب.. اين، ولماذا ليس يدري.
غفت عينه من جديد، وعاد لأحلامه، بل لكوابيسه من جديد..
الصراخ الذي سمعه هذه المرة كان أقرب، كان صراخه هو. كان يقاد على كرسي متحرك من قبل سجانات بلباس ابيض.. كان يسمع صوت خرير المياه.. كان صوت الماء يفزعه. اخذوه رغما عنه، ودون ان يتمكن، بل حتى ان يحاول المقاومة لغرفة ما. لا بد انها غرفة التعذيب. لا بد ان تكون كذلك، والا لماذا كان يصرخ وهو يقاد اليها..
ثم بدأ التعذيب.. رشوا على جسده شبه العاري سائلا اشبه بالماء، كان يخرج باردا من صنابير مياه عادية، الا انه لابد ان يكون حمضا مركزا، هذا ما خطر له، لان السائل كان لاذعا، كان حارقا. كان يصرخ مع كل قطرة تصيب جسده…
الملفت، ان السجانات، او من ظنهن كذلك، لم يكن منتشيات بالتعذيب، بل شعر انهن يشفقون عليه، ويتالمون لألمه، وكأنهن كن مجبرات على القيام بذلك العمل.
ثما غفا من جديد.
كان جالسا القرفصاء على الأرض، حوله جمع كبير من الناس، الوف كانت تملأ الساحة الواسعة..
بجانبه استلقى طفل، طفل يعرفه جيدا. امامه مباشرة ممر صغير للمشاة، يقود لمبنى صغير، له باب صغير مفتوح على مصراعيه.
على يسار المبنى دلال نحاسية استقرت شامخة تتدفأ على وسادة من جمر احمر، مترجلة منقلة..
لماذا الحاجة للدفء في مثل هذا اليوم القائظ؟
هكذا هي طبيعة الدلال، كما يبدو. هذه كانت اجابته لسؤاله.
كان الخطيب يتحدث عن كربلاء، وعن حر كربلاء، وهو كان يشعر بتلك الحرارة فعلا تلفح وجهه. ظنه في البدء ناتج من ابداع وبلاغة الخطيب، نظر امامه فرأى الدلال ومنقلة الجمر مرة اخر. رغم سكون الهواء، الا ان هبات كانت تداعب تلك الدلال، تمر على الجمر، تصافح المنقلة، لترتد نحو الوجوه.
عاد للتركيز على موضوع الخطيب. كان الخطاب جذابا، ساخنا، جريئا، كعادته. وفجأة…حدث لغط وحركة غير عادية من خلفه. نظر فاذا جمع من الحضور نهضوا، هلعين، الا انهم ما لبثوا ان عادوا لاماكنهم، وعلى شفاههم ابتسامة بدت غريبة على الزمان والمكان. استشف الخبر فقيل له:“ انه سنور”.
لم يلبث سوى بضع دقائق، واذا به يسمع ضجة عظيمة من خلفه وصراخ هلع. نظر واذا بجموع المستمعين خلفه مستنفرة، كانها تفر من قسورة. بعضهم جاء مباشرة باتجاه الحسينية، اي باتجاه المكان الذي يجلس فيه. نظر للطفل الراقد قربه في هدوء. حمله في عجل قبل ان تدهسه الجموع.
دقائق، بل لعلها لحظات، واذا بتلك الجموع تجرفه بعنف نحو جدار الحسينية، كان يشعر بألم يفوق الوصف. كان يجلس مباشرة فوق المنقلة، والجموع المتدافعة التي اجلسته هناك، كانت تمنعه من النهوض. شعر ان الموت كان قاب قوسين او ادنى منه. كان يشم رائحة شواء، ولم يدر هل كانت رائحة الجمر، ام رائحة جلده المحترق.
استطاع النهوض اخيرا، بالكاد كانت تحمله رجلاه. نظر حوله يبحث عن طفله، رأى شابا يحمله، قال له بصوت اشبه بالهمس:“ هذا ولدي، خله عندك”.
ثم سقط مغشيا عليه.