قيادة المرأة... تحول في الأفق الحضاري
الإرادة السياسية الحازمة حسمت أخيراً ملف الجدل العتيق في موضوع قيادة المرأة للسيارة، وسيبقى هذا المنعطف التاريخي المهم حاضراً كشاهد على مرحلة تاريخية عرفت بالصحوة - في ظلها كانت الغفوة -.
لقد عانت المرأة وعانت الأسر وعانى الوطن في ظل تلك المرحلة الكثير، حيث أقصت الثقافة الذكورية والفكر المؤدلج التقليدي المرأة من كثير من المواقع، وبدل أن تضعها خلف مقود السيارة كقائدة لمصيرها وصاحبة عقل وإرادة وحقوق وقرار وضعتها في المقاعد الخلفية تشحت من أخٍ أو تتوسل بأب إن لم يكن من البعيد والغريب حتى في أبسط مشاويرها لتقضي حاجاتها السهلة بصعوبة، وليتبدل اليسر بالعسر، وبدل أن تتحول حيات المرأة ككائن بشري لرفاه وسعادة ومتعة، تحولت لأسيرة مكبلة مهمومة بهموم كان المفترض أن تكون بسيطة.
عقدة إجتماعية كانت جاثمة على صدر المجتمع، وأقحم فيها الدين من حيث لا ينبغي، فشوه الدين، واشتعل المجتمع في جدليات مريضة لا تنبغي للأسوياء.
ظلت المرأة تتنفس هي والسائق الأجنبي تحت سقفٍ واحد، في الوقت الذي كان فيه بالإمكان أن تعيش حياة أفضل وأسلم وأأمن. وظل السائق الأجنبي واحداً من تلك الثقوب الاقتصادية التي تنهك الوطن، فالمال الذي يذهب للسائق ينتقل للخارج في حين كان بالإمكان أن يبقى ضمن الدورة الاقتصادية داخل الوطن منتقلاً من يد ليد ومن جيل لجيل.
في ظل قيادة المرأة للسيارة يمكن أن تحل كثير من المشاكل القديمة، فتفتح أمام المرأة فرص جديدة لكسب اللقمة الحلال، وتجد الأرملة وأطفالها وتلك الزوجة التي يتغيب زوجها في عمله لأيام معدودة أو أكثر فرصة لحياة طبيعية هانئة... الخ.
شرنقة الصحوة خنقت المجتمع والمرأة باسم الدين كثيراً حتى استطاعت تلك الفراشة أن تخرج من شرنقتها أخيراً بعد أن تأخرت كثيراً.
لكن المجتمع لم يتعلم للأسف من سوابق أخطائه الكثيرة رغم تكرارها متنقلاً من جدليات تعليم المرأة إلى الإستفادة من تقنيات وأجهزة جديدة كالتلفاز والجوال والدش الفضائي إلى توظيف المرأة وإلى ولايتها على نفسها... لتحط الرحال أخيراً في نهاية حقبة منع المرأة من حقها في قيادة السيارة ويمضي الجدل المريض حتى اليوم ليحط في رحال المستقبل في مواضع أخرى.
الجدل الثقافي لم يغني كثيراً عن إرادة سياسية قوية شجاعة صارمة وواعية تقتحم التحديات رغم المخاطر فتحل المشكلات... فمضينا بالإرادة السياسية نحو المستقبل الذي عطلنا قدومه كثيراً وعجزت الثقافة عن كسر الجدل البائس.
لكن المسيرة لم تنتهي والخطوات لن تتوقف ولا ينبغي والإصلاح والتطوير والتحديث ماضٍ رغم جبهة الغاضبين على جهلٍ بسبب وبلا سبب.
لقد شاهدت في التاريخ أرادات سياسية ناهضة عطلت وأطفئت، ومن أتعس الأشياء أن يبتلى المجتمع بجهل أبنائه - أو بعض أبنائه -.
يقول سمو الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز ” منح المرأة السعودية حق قيادة السيارة ليس مجرد تغيير اجتماعي إنما هو جزء من مسيرة الإصلاح“... وأعتقد أن هذا ما يجب أن ندركه وأن يتم استيعابه سريعاً كي نخرج من تلك الدورة المريضة للرفض ثم القبول التي أنهكت الوطن وأخرته كثيراً بسبب الشكوك والمخاوف والهواجس على غير بصيرة.