الأخوة ميثاق الله
في كل عام وبالتحديد ليلة السابع يأخذني الحضور البهي لأبي الفضل حيث الأخوة في أرقى صورها فأجدني أتيه بين حروفها..
مأخوذة بمفردات الجمال والتفاني.. الحب والحنان.. التكامل الإنساني حيث لا تجد من يدعمك، من يسندك، من يأخذ بيدك، من يكون مرآة لك بلا مواراة مثل أخوتك.
فحقيقة الأخوة تكمن في أعماق فطرتنا، وتترعرع بطبيعتها ووجودها بثقافتنا وتربيتنا.
هذه العلاقة المقدسة بين العباس وأخيه الإمام الحسين ع وأخته زينب مثال رائع لما ينبغي أن تكون عليه علاقتنا بأخوتنا.. هذا التفاني والفداء والإخلاص والحب منذ صغرنا نتغنى بهم، ونكرر أن كل هذا الحب وكل هذا الفداء والإيثار لأن الحسين ع إمامه الذي يجب أن يطاع، وننظر لزينب وارتباطها بأبي الفضل فقط لأنه كفيلها الذي كلفه بهذه المهمة الوالد الحنون أمير المؤمنين، دون أن نتلمس أثر هذه العلاقة وهذا الارتباط المبني على الحب الواعي وانعكاس ذلك على علاقاتنا بأخوتنا.
فمجتمعاتنا تزخر بالقطيعة لأتفه الأسباب، وماعاد الاختلاف لا يفسد المودة، فالأخوة والأخوات كلٌّ انكمش على أسرته ومشاكله..
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [البقرة: 27]
كما كان محمد الإنسان قبل النبي يقول..
* «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ» *
نعم والثلاث ليال كثير.. هي الحد الأعلى عند النبي، وكأن النبي محمد يريد أن يقول لنا "هجرة الأخ لأخيه مرفوضة، ولو للحظة واحدة.!
فعندما ينقطع الأخ عن أخيه تشتعل نار قد تحرق كل ما بينهما من محبة وود"..
* «فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ».
ليس هو موت جسدي.. هو موت للنفوس التي احترقت بالنار التي أشعلها الهجران.
كما أن هذا الارتباط بين السيدة زينب وأخويها كان ومازال يثير تساؤلات كثيرة..
لِمَ التحقت زينب وَ بقية الأخوات بقافلة الأخوان وَ تركت الأزواج؟
كثيرًا ماكانت فطرتي ترفض هذه الثقافة العرفية الدينية التي تجعل المرأة بمجرد زواجها تصبح تابعة للزوج، ويصبح هو الرقم الأول الذي يحق له منعها من زيارة والدها المريض، أي إنسانية هذه حيث الذي ولد وربى لا يمتلك حقًا مقابل حق الزوج؟
ثقافة روايات العبودية للزوج وربط طاعته بطاعة الرب كانت تتناقض مع السلوكيات المعروفة في صدر الإسلام، وحتى قبل الإسلام..
فمازال التاريخ يخلد الخنساء وهي ترثي أخوتها، والزهراء ع ومرافقتها لأبيها في كل حروبه، وهاهي زينب تترك الزوج لتلتحق بقافلة الأخوان..
وتتكامل المسيرة حيث الأخوة معًا
زينب والحسين ..
زينب وأبو الفضل..
مازالت الذكريات وعبقها ماثلاً بالذاكرة..
هاهنا لعبنا..
هاهنا كانت حواراتنا ونقاشاتنا بحضرة الوالد الحنون..
ومن منبع الحب حيث جدنا رسول الإنسانية، وأمنا قلب هذا الكون التي أرضعتنا الحب والإيثار والعطاء، وعلى يد العاشق علي ع تدربنا على أبجديات الإخاء.
وبمثل هذه الليلة..
لنا في كل عام مسرح، أبطاله زينب وأبو الفضل والحسين ، يضربون لنا أمثلة في الأخوة الحقة والحب المتسامي.
لنتعلم منهم كيف تكون علاقتنا بإخوتنا وعلى أي أسس تقوم. ونتمثل طريقتهم في تربية أولادنا ليتغنوا بالأخوة.
سلام الله عليك يا أبا الفضل العباس وأنت تملأ القلوب فتفيض حبًا وأنت تناجي زينب، وتخجل بحضرة الحسين ع لتكتمل الصورة عند شاطئ الفرات.
هناك عند الشاطئ..
وفي كل عام..
وبمثل هذه الليلة أراك تملأ الأفق مشرعًا كل مافي قلبك من رحمة وحب..
فأهرول مسرعة أبحث عن أخوتي أبثهم ذاك الحب الذي غذيتني به.