آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 9:30 ص

كربلاء.. المساواة

محمد أحمد التاروتي *

شكلت ارض كربلاء مفصلا تاريخيا، في تجسيد القيم الأخلاقية، اذ لم تعط صعوبة الموقف، والمواجهة العسكرية، مبررا لسيد الشهداء وأصحابه، التنازلات عن تلك الاخلاقيات النبيلة، بل ساهمت هذه المعركة، في اكتشاف الفوارق الكبيرة، بين معسكر الامام الحسين ، ومعسكر عمر بن سعد، فالمعسكر الأول أعطى التاريخ البشري، نماذج كثيرة في التمسك بالقيم، فيما تبارى المعسكر المقابل في الانحلال من القيم العربية، فضلا عن الاخلاقيات الإسلامية، والفطرة الإنسانية النبيلة، فعلى سبيل المثال، فان قطع الطريق امام سيد الشهداء للوصول الى شط الفرات، وفرض الحصار الشامل على أهل بيت الرسالة، يتناقض مع جميع الأعراف العربية، والإنسانية، فضلا عن القيم الإسلامية، فهذه الطريقة مارسها معاوية بن ابي سفيان، في معركة صفين ضد الامام علي ، ولكن سيد الأوصياء عند السيطرة على المياه، أباحها امام جند معاوية بن ابي سفيان.

مجموعة القيم الأخلاقية، التي برزت في يوم عاشوراء، ظهرت على شكل مواقف، وممارسات عديدة، اذ يمكن اقتباس احد المواقف المعبرة، للأمام الحسين في التعامل مع أصحابه وأهل بيته، حيث قام تكرار عمل مع الشهيد جون مولى ابي ذر، وابنه على الأكبر، فبعد استشهادهما في معركة ألطف،، وضع خده الشريف على الاثنين، الامر الذي يعطي دلالات كثيرة في القيم الأخلاقية والمساواة، بعيدا عن الاعتبارات المالية، والمقامات الاجتماعية، واللون، وغيرها من الفوارق، التي ما انزل الله بها من سلطان، اذ سجل التاريخ هذا الموقف لابي الأحرار بأحرف من ذهب.

تكرار موقف الامام الحسين ، بين جون الأسود المملوك، وعلى الأكبر شبيه رسول الله ﷺ، يسهم في إسقاط جميع الاعتبارات النفسية، والممارسات الجاهلية، التي يحاول البعض تكريسها، في المجتمع الإسلامي، فالمرء بموقفه الصادق والصعب، يفرض مكانته على الجميع، بينما يكون التعامل مختلفا تماما في حال بدر من الشخص، موقفا لنصرة الحق مقابل الباطل، اذ سيكون التعاطي معه مغايرا تماما، فكتب السيرة تحفل بمواقف تخاذلية، سجلها أشخاص اثناء مسيرة، سيد الشهداء من خلال الانسحاب، ورفض النصرة، فيما سجل التاريخ موقفا بطوليا لجون في يوم عاشوراء، حينما قال سيد شباب أهل الجنة: أنت في إذن مني؛ فإنما تبعتنا طلباً للعافية، فلا تبتل بطريقتنا، فقال يا ابن رسول الله! ”أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم. والله! إن ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس علي بالجنة، فيطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض وجهي، لا والله، لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم“

المساواة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، تجسدت في ارض الطفوف، حيث حرص سيد الشهداء ، على الوقوف فوق أجساد الشهداء، بمجرد السقوط في المعركة، وبالتالي فلم يفرق التعامل بين أنصاره وأهل بيته، مما يشكل درسا للتاريخ، بما تحمله معركة كربلاء من اخلاقيات عديدة، الامر الذي يفسر استمرارية بقاء هذه الفاجعة حية، على مر العصور، فالالسن غير قادرة على وصف هذه المعركة، بما تستحق، والأقلام عاجزة عن اختيار الكلمات المناسبة، بالرغم من الجهود الكبيرة، وعشرات الكتب، التي ملأت المكتبة الإسلامية، فما زالت مصيبة الطف قادرة، على العطاء الى يوم الدين.

كاتب صحفي