كربلاء.. الانتصار
بمجرد إسدال الستار على فصول يوم عاشوراء، واستشهاد أبو الأحرار على ارض الطفوف، بدأت الدائرة تدور على الدولة الأموية، فالانتصار المادي الذي سجله ابن زياد بجيشه الجرار، على الثلة المؤمنة من بني هاشم والانتصار.. ذلك لم يدم سوى برهة زمنية، اذ سرعان بدأت الامور تخرج عن السيطرة، الامر الذي دفع يزيد بن معاوية، لتبرير موقفه من الجريمة الكبرى، الى القول ”عجل عليه بن زياد“، من امتصاص موجة الغضب، التي صاحبت مقتل سِبْط الرسول ﷺ، وأهل بيته وأصحابه.
وضعت السيدة زينب ملامح الانتصار، بعد انتهاء معركة ألطف مباشرة، حيث خاطبت ابن اخيها الامام زين العابدين بقولها ”سينصب بهذا الطف علم، كلما اجتهد أئمة الجور محو اثر فلا يزداد الا علوا وارتفاعا“، وبالتالي فقد وضعت السيدة زينب النقاط على الحروف، منذ الوهلة الأولى بحتمية انتصار نهضة الحسين ، حيث استطاعت معركة كربلاء تجسيد انتصارها، في ضمير الأمة الإسلامية، اذ أصبحت الحركة الحسينية منهاجا، ونبراسا للجميع، فالجهود التي حاولت التقليل من مبدئية النهضة الحسينية، وتصويرها كنوعها احدى فصول الصراع السياسي، والتقاتل على السلطة.. تلك المحاولات لم تصمد، واندثرت باندثار أصحابها، كونها لا تستقيم مع القراءة الصائبة، لاهداف معركة الطفوف.
معالم الانتصار تكشفت سريعا، حيث استطاعت حركة سيد الشهداء تحقيق أهدافها المبدئية، بحيث ذهبت أغراض الدولة الأموية السياسية ادراج الرياح، ولعل ابرزها اسكات الأصوات المعارضة، والتسلط على الرقاب بقوة السيف، فقد عمد الامام السجاد الى تفويت الفرصة امام السلطة الأموية، في تحريف النهضة الحسينية، من خلال إماطة اللثام عن الدعاية الأموية، التي بثت في المجتمع الشامي، خصوصا والاعلام الأموي روج بان السبايا من الخوراج، من اجل التغطية على المأساة الفظيعة.
محاولات السلطة الأموية، طمس تفاصيل الجريمة الكبرى، باءت بالفشل الذريع، اذ تمثلت أولى محاولات قلب الحق باطلا في الكوفة، حينما حاول عبيد الله بن زياد، تبرير جريمة الامام الحسين ، حينما خاطب السيدة زينب كيف رأيت صنع الله بأخيك واخوته؟، بيد ان تلك المحاولات تصدت لها أم المصائب بقوله ”ما رأيت الا جميلا، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل برزوا الى مضاجهم“.
توهج معركة الطف منذ نصف القرن الأول، وحتى الْيَوْمَ الحالي وحتى يوم القيامة، احدى دلالات الانتصار، الذي حققته - النهضة الحسينية - على المنطق المادي، الذي حاولت الدولة الأموية، فرضه على الواقع، خصوصا وان الصرخات التي أطلقها سيد الشهداء في يوم العاشر ما زالت تتردد أصداها، في إسماع الضمائر الحرة في جميع أنحاء العالم، اذ أصبحت مقولة ”هيات منا الذلة“ شعارا لدى الكثير من الشعوب الإسلامية، فضلا المعاني الكبير التي غرسها لدى مختلف المجتمعات البشرية، فقد أضحت التضحية في سبيل الحق، احدى الدروس العديدة، التي كرستها النهضة الحسينية.