كربلاء.. الثوابت
أعطت مدرسة كربلاء الخالدة، دروسا للأمة الإسلامية، بالتمسك الثوابت وعدم الخضوع، امام التهديدات بغرض التخلي عن المبادئ، بحيث أضحت معركة الطف نبراسا للإصرار على المواقف، وعدم التنازل عنها، خصوصا وان القيم تمثل النور الذي يضيء الطريق على الدوام، وبالتالي فان التفريط في المبادئ، يفقد المرء قيمته امام ذاته، والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها.
أبو الأحرار بموقفه الثابت، شكل مدرسة على مرور العصور، اذ لم يكتف بإطلاق المواقف الرافضة، لمبايعة يزيد بن معاوية، للتسلط على رقاب المسلمين، ”مثلي لا يبايع مثله“ حينما استدعاءه والي المدينة المنورة، لأخذ البيعة عقب موت معاوية بن ابي سفيان، بل واصل مشوار الرفض حتى الرمق الأخير، من حياته المباركة، حيث رفض الاستسلام لمنطق السيف، على حساب المبادئ الإسلامية الثابتة، ”لا اعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد“، فقد وضعت هذه الكلمات دستورا للأجيال القادمة، بضرورة التمسك بالثوابت، وعدم التنازل عنها، خصوصا وان الطرف المقابل يسعى لاجبار المنافس، على الاستسلام بطرق متعددة، ومنها المغريات، الامر الذي تمثل على لسان الجيش الأموي، في ارض الطفوف، ”انزل على حكم بن عمك، فانهم لن يرونك الا ما تحب“.
فاجعة الطفوف بكل ما تحمل من فظائع، وضعت حدا فاصلا بين الحق والباطل، فمعسكر الامام الحسين جسد القيم والمبادئ، حيث رفض سيد الشهداء التنازل، عن الثوابت الإسلامية طيلة المعركة، من خلال إصراره على إطلاق شرارة الحرب، ”إني اكره ان ابدأ القوم بقتال“، الامر الذي درسا في ضرورة الحفاظ على أواصر الإخوة الإسلامية، حيث خاطب الجيش الأموي في صبيحة عاشوراء، ”نحن حتّى الآن إخوةٌ على دينٍ واحد وملّة واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العِصمة، وكنّا أمّةً وأنتم أمّة“.
يمكن تلمس الثوابت في معركة كربلاء، من خلال المواقف العديدة، التي جسدها الامام الحسين وأصحابه، خلال النزال، اذ لم تصدر من جيش الامام الحسين ، صرفات خارجة عن السياق الإسلامي، والأخلاقي، فبالرغم من استخدام الجيش الأموي أقذر الأساليب، وممارسة الخداع، فان معسكر الامام الحسين ، لم ينجر للنزول لمستويات المعسكر المقابل، فقد حافظ سيد الشهداء على الثوابت، التي خرج من اجلها، لإنقاذ الأمة الإسلامية، من براثن الدولة الأموية.
منذ البيان الأول الذي أطلقه الامام الحسين ، باتجاه العراق وضع النقاط على الحروف، فيما يتعلق بالاهداف المرسومة، فقد أماط اللثام عن الغموض التي تدور في بعض العقول، بشأن الغاية للخروج الى العراق، ”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي لامر بالمعروف وأنهى عن المنكر“، وبالتالي فان خارطة الطريق، التي رسمها سيد الشهداء لم تحمل اللباس، او الغموض، فهي تتمحور في تصحيح المسار المعوج، الذي رسمته الدولة الأموي، خلال السنوات الماضية.