اليوم الوطني دعوة للتسامح في بلد التسامح
اليوم الوطني مناسبة لها رونقها الخاص نظرا الى الرمزية التي يحملها هذا اليوم وما يبعثه فينا نحن كبشر من مشاعر الفخر والعز تارة والحب والإمتنان تارة اخرى، فحب الوطن يجمعنا ليس مجرد شعار وإنما فطرة إنسانية وقيم عليا طبيعية جبل عليها البشر، فالوطن من الثوابت التي لا يمكن أن تخضع لأي متغيرات تؤثر في ارتكازه الوجداني والعقلي، وقديما قيل: «حب الأوطان من الفطرة» أي أن الوطنية ترضع منذ الميلاد والنشأة، ”وفطرة الله التي فطر الناس عليها“ كي يتعاملو وفق هذه الفطرة لتشكيل مجتمع إنساني قوامه التسامح والتآخي والتعاون والتراحم والتعاطف والبناء الإنساني بمجالاته المختلفة والمتنوعة بغض النظر أي إنتماءات أخرى مذهبية اوسياسية كانت.
في اليوم الوطني يتجلى الحب وتتعزز قيمة الوطنية والوطن بالولاء والإنتماء للأرض التي عليها ولدنا، وبخيراتها نشأنا وبين أحضانها ترعرعنا وبعطائنا لها أخلصلنا ولازلنا نفديها بالغالي والنفيس. اليوم الوطني يوما للحب والتسامح، فالتسامح فضيلة وقيمة عُليا حثت عليها تعاليم ديننا، وترسيخه كقيمة أساسية إنسانية أخلاقية قانونية في نفوسنا وقلوبنا يجعلنا نعيش إنسجام مجتمعي وتناغم حضاري لا مثيل له إنطلاقا من منهجنا السامي وإيماننا بتنوعنا وإحترامنا لبعضنا البعض، لنجعل بهجتنا ياليوم الوطني بداية لإزالة التناقضات وتصحيح المفاهيم التي طالت نسيجنا الإجتماعي، والتي شوهت علينا أفكارنا وجعلتنا نتخبط في فوضى فكرية عارمة تطاحنت فيها الآراء وتصاعدت فيها وتيرة الفتن والصراعات، واشتدت فيها حدة الخلافات، وحصرت مجتمعاتنا وأوطاننا في بوتقة الإتهامات والتراشقات فشحنت العقول وأحقنت النفوس تجاه بعضنا البعض نحن أبناء الوطن الواحد.
في يوم الوطن دعونا نبدأ حياة جديدة خالية من الأحقاد والأذى، لننسى الأحداث المؤلممة التي طالما عكرت صفو حياتنا وجعلتنا نفقد أغلى ما نملك من أبنائنا وفلذات أكبادنا، ولنطو صفحة سوداء مليئة بالضغينة والحقد فرضتها علينا الظروف المحلية والمتغيرات الإقليمية والعالمية، ونفتح صفحة جديدة نسطر فيها أحرف التسامح من أرواحنا المتسامحة، ولنترفع عن الصغائر ونسمو بأنفسنا إلى مرتبة الأخلاق الرفيعة، لنجعل التنافس كقوى إجتماعية وتيارات فكرية وسياسية وجماعات فيما بيننا، بما يخدم تقدمنا وينفع مجتمعنا وأن ننشغل بحاجات الوطن ومعالجة مشاكله، والسهر على راحته، والعمل لسلامته والتعاون في خدمته، لنكن صمام الأمان الذي يحميه ويدافع عنه ويحافظ على وحدته وتماسكه بفكرنا ووعينا وارادتنا وعزمنا، ليكن يوما مميزا مخلدا في ذاكرة أجيالنا نبث فيه ثقافة الأمن والسلام ونبذ الكراهية، وننشر فيه ثقافة الإسلام الحضاري المشعة المنفتحة على العالم وعلى تقبل الآخر والحوار بين الأديان والثقافات والشعوب والأمم.
في مثل هذا اليوم نحتفل باسهاماتنا وانجازاتنا ومواقفنا، لنسطر ملحمة للحب في التعاضد والتآزر والتلاحم والوحدة قيادة وشعبا في رفض الإرهاب والتطرف والغلو ومحاربة التمييز والتعصب والعنصرية، لنركز جهودنا في التنمية ونهضة البلاد تقديرا وتكريما لما قدمه رعاتهاوحماتها - حفظهم الله - من دعم لمسيرة التقدم والإزدهار التي بدأت تتنامى وتتوالى داخل الوطن وخارجه،
علينا جميعا أن نعي أن التسامح لا يعني المساس بالقيم الإنسانية لحقوق الإنسان، وأن التسامح لا يعني قبول التسلط الاجتماعي، أو أن يتنازل الإنسان عن مبادئه ومعتقداته، بل هو مسألة ضرورية وحاجة ماسة للمجتمع، لتجاوز الآثار السلبية المترتبة على اللاتسامح من الكيدية، والانتقام والعنف وردات الفعل، والمعارك الداخلية.
لنقف صفا واحدا بمباركة خادم الحرمين الشريفين وبعزم القيادة الشابة وهمة المخلصين لهذا الوطن بتبادل الثقة وبناء الجسور وتكريس ثقافة المحبة لتطهير النفوس أولا مما لحقها من أثار خطيرة ومدمرة ولردع لردع اللا متسامحين الذين يستغلون المناخات المتسامحة لتحقيق مآربهم المعاكسة لقيم التسامح. وأخيرا: لنجسد قيم التسامح على أرض الواقع فهي السبيل لتقدم المجتمع والمقوم الرئيسي لوحدته وتماسكه وضمان سلامته في ذواتنا وسلوكياتنا وفي تعاملاتنا بين شركاؤنا في الوطن لنتمكن بعدها من تعليمها لأبنائنا وأجيالنا القادمة. وحفظ الله الوطن.