آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

حينما تكون إنسان

عبد الواحد العلوان

زبال

عامل نظافة

كناس

”محمد شريف نواز“

عامل نظافة، يبلغ من العمر 24 عاماً، أعزب وغير متزوج ولكن لديه أسره ويعمل في المملكة العربية السعودية منذ سنتين، وراتبه الشهري لايتجاوز ”400 ريال“ شكراً مليون يا محمد شريف، وشكراً مليون لكل عمال النظافة ولكل من ينتمي لهذه المهنة الشريفة الجميلة، ويتحلى بهذه الأخلاق والجمال الروحي، الذي شدني بابتسامته وضحكته، وروحه المرحة...

ديننا الحنيف كم تحدث عن النظافة، وكم الأحاديث النبوية التي تتحدث عن النظافة، وكم المقالات والحكم والتوعيات والحملات التي تتحدث عن النظافة، ولكن هيهات هناك بعض البشر من المجتمع، لا تعجبه النظافة، بل يحاول كسر هذه السلوكيات ونسفها، وأعادتنا للجاهلية، وركام النفايات والمخلفات، لابد أن نوحد الجهود ونضع أيدينا بأيدي هؤلاء العمال، ونعينهم على النظافة بدءًا من أنفسنا، من أبنائنا، من منازلنا، ومن ثم من محطينا القريب ومن ثم محيطنا البعيد وشوارعنا وحدائقنا والممتلكات العامة كافة، لتكن نظيفة لأننا فطرنا على النظافة والسلوك الحسن والإيجابي...

عبد الواحد العلوان ومحمد شريف نوازتعددت المسميات والمهنة واحدة، تعددت المصطلحات والهدف واحد، هذا ما ينطق في مجتمعاتنا على من يقوم بتطهير أرضنا وشوارعنا ومنازلنا، هذا من نطلق عليه ”زبال، عامل نظافة، كناس“ إنه الأنسان مهما اختلفنا في تسميته، أو مهما وصلنا من قُبح في محاولة التقليل من شأنه، ودوره في بناء حضارتنا والمحافظة على جمال بيئتنا لنراها خضراء نظيفة...

لا تنتظر الوقت لتكن إنسان، ولا تنتظر الفرصة لتكن إنسان، ولا تنتظر أحد يقدمك للإنسانية لتكن أنسان بفطرتك، بل كن ولو مرة ”إنسان“ وأستشعر الإنسانية وأخلف وأنشر المحبة والسمو والألفة والإنسانية بين البشرية، هذا هي الإنسانية، أن تستشعر الآخر، وتستشعر ما يقدمه، وتستشعر مهنته، وتستشعر أنه أنسان، وتتعامل معه من هذا المنطق، ف لا دين ولا مطهب ولا كارزيما ولا شكل ”للإنسانية“ الإنسانية هي أفعال، وليست أول تنطق وجمل نعبر عنها، هكذا نبقى ننشرها ونود أن نراها تتكرر في صور ومشاهد اجتماعية كبيرة وجميلة...

حينما تكون أنسان أجعلها إنسانيتك تفوح كالنسائم، كالورد، كالعطر، كالريحان، كالشذى،

أجعلها قدوة، أبذرها في بيئة خصبة وتربة خصبة، لتنمو مع مرور الأيام، وتصبح شجرة الإنسانية وتمتد جذورها لأعماق الأرض...

الحقيقة ما دعاني لأن أقوم باستضافة هذا الرجل ”محمد شريف بنغلاديشي الجنسية هو“ أنني في صباح اليوم كنت متوقف في الإشارة المرورية، ووجدت السيارة التي أمامي كل لحظة يرمي كاس شاي من نافذة سيارته، ولحظة يقطع الأوراق ويرميها في الشارع، ولحظة يرمي أكياس ومناديل، عزمت أن أتحدث معه وأخبره بأن تصرفه يعتبر تصرف خاطئ جداً، ولكن ما أن هممت بالنزول من سيارتي إلا فتحت الإشارة الخضراء للسير...

فقلت بيني وبين نفسي لماذا هذا الإحساس الظالم في حق البيئة، لماذا هؤلاء البشر لا يستشعرون هذا ”العامل النظافة“ الذي يقف أمام السيارة على الرصيف ليقوم بتطهير الأرض من مخلفاتنا، لماذا نرمي ونرمي ونرمي وهم كل يوم ينظفون وكل ساعه ينظفون مخلفاتنا، ونحن نبقى مستهلكين بشكل كبير كلما زادت العمال..

هذا أحد عمال النظافة الذي ينتمي لأحد الشركات الخاصة بالنظافة، أحد البشر الذين ينبضون بالحياة والكرامة والإنسانية، غني عن التعريف، فلباسه خير ممثل لمهنته أشرف مهنة من بعد مهنة الطبيب والمعلم، فعامل النظافة ”هو من يقوم بتنظيف وتطهير الأرض“ لتصبح نظيفة وجميلة وساحرة، ليراها كل من تطئ قدماه بيئة جميلة فواحة..

وجدت هذا العامل بجانب المطعم الذي قررت وصديقي تناول العشاء فيه هذه الليلة، فقررت بأن نستضيف هذا العامل، ونتشرف بوجوده ومشاركته لنا وجبة العشاء، ليضيف لمسائي، جو جميل وسعيد ومبارك، حيث أنني أسعد وأفرح وأتبارك بمثل هؤلاء الأشخاص..

فعلاً قمت خرجت خارج المطعم، وأقنعته بأن يتناول معنا وجبة العشاء، والحمد لله وافق وكان سعيد وفرِح بهذه الأعزومة، ولكن سعادتي تفوق سعادته، بأنه قبل أن يشرفنا وجبة العشاء..

تحدثت مع مدير المطعم، وأخبرته بأن هذا الشخص هذا الرجل هو ضيفي، وأخبرته بأن يتعامل معه ومع مهنته بكل أدب واحترام، وأن لا يستعر من كونه عامل نظافة، سيدخل مطعم فاره وفخم، ويحرجه بأي كلمة أو تصرف أو يسيئ له، فتجاوب مدير المطعم مع طلبي والحمد لله زادت هذ الشرف العظيم والجميل هو أنني رسمت خارطة طريق بأنني طموح بأن تجد هذه المبادرة، نظرة الرحمة، والأذن الصاغية..

لأن نقوم بدورنا الإنساني أتجاه هؤلاء العمالة، وأصحاب مهنة النظافة، بأن لا نرمي مخلفات القمامة إلا في مواضعها الصحيحة والمناسبة كالبراميل، ولو كنا في السيارة نجمعها في أكياس خاصة، ومن ثم مع أقرب برميل أو حاوية نضعها فيها، لأجل نكن قدوة حسنة، ونخلق مبادرة تعود علينا جميعاً بالنفع..

بعض السلوكيات والثقافات والتصرفات، لابد لها يوم وتتغير، لابد لها من بيئة خصبة تنمو فيها، وتبدع فيها، ومن ضمن هذه السلوكيات النظافة العامة، نظافة البيئة، المبادرات الاجتماعية، التي تخلق من المجتمعات الوعي والثقافة ونشر المحبة والتسامح والإنسانية، وزرع القيم والمفاهيم التي تكن رافد من روافد العيش الكريم في بيئة نظيفة وجميلة...

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
e
[ Qatif ]: 20 / 9 / 2017م - 3:59 م
بارك الله فيك