ثقافة الفوضى
الفوضى تمثل الملاذ الامن، لاصحاب المشاريع الشريرة، حيث تعتبر البيئة المثالية، لممارسة مختلف أصناف القتل، والإرهاب الفكري والجسدي، الامر الذي يدفعها لاستدامة هذه البيئة الفوضوية، لجني المزيد من الامتيازات، على الصعيد الشخصي، واحيانا الجماعي، لذا فإنها تتحرك لافشال جميع الجهود، الساعية لإعادة الامن والاستقرار، وسيادة القانون والنظام، خصوصا وان سلطة القانون ستكون بالمرصاد، لكافة أنواع الاعمال الخارجة عن النظام.
ثقافة الفوضى، لا تصب في صالح المجتمع الواحد، بقدر ما تخدم عناصر محدودة، فانعدام الامن والاستقرار، يدفع الانتهازيين للخروج من الحجور، لتقاسم الغنائم على حساب الشريحة الواسعة، لذا فان العناصر الانتهازية تحرص على التواجد المبكر، في المناطق المضطربة، لإدراكها بصعوبة تكرار مثل هذه المناسبات، للانتشار الأفقي، والعمودي في المجتمع، الامر الذي يفسر القدرة الفائقة على التوسع، والتهام بعض المناطق، في غضون فترة وجيزة،، خصوصا وان غياب النظام، يسهم في استقطاب العناصر الفاسدة، في المجتمع، مما يساعد على تشكيل جماعة تحكم بالنار والحديد، بيد ان العناصر التخريبية تتوارى عن الأنظار، بمجرد بروز ملامح لعودة النظام، وقدرة القانون على بسط نفوذه مجددا.
النجاح في انتشار الفوضى، يتطلب توافر عدة عوامل في البيئة الاجتماعية، فالأطراف المخربة ليست قادرة، على تحقيق مآربها الفوضوية، دون الحصول على الغطاء الداخلي او الخارجي، اذ تحاول استقطاب عناصر محلية، لتنفيذ المخطط التخريبي في البداية، فيما تلجأ الى الخارج للحصول، على الدعم لتحقيق المخطط المرسوم، خصوصا وان فقدان الدعم الداخلي او الخارجي، يحول دون العبث بالاستقرار، والاخلال بالنظام.
ضعف النظام السياسي، او فقدانه القاعدة الشعبية، عوامل مساعدة في نجاح المخططات الفوضوية، في المجتمع، خصوصا وان غياب هيبة الدولة تغري بعض العناصر التخريبية، للظهور للعلن وإنهاء مرحلة العمل السري، نظرا لانعدام الأسباب المؤدية للاستمرار، في العمل بالخفاء وبعيدا عن الانظار، الامر الذي يدفع العناصر الفوضوية، للقيام بأعمال تخريبية، لتكريس ضعف الدولة، وتوسيع رقعة الفوضى في المجتمع، مما يحقق جزء من الأهداف التكتيكية، الساعية لإشاعة الخراب، وغياب سلطة القانون، من اجل الحصول على المزايا للشخصية، على حساب المصالح المجتمعية، الامر الذي يفسر ظهور أمراء الحرب في النزاعات الداخلية، التي تعيشها بعض البلدان، وكذلك تدخل الدول في شؤون تلك البلدان، من خلال دعم بعض الأطراف، على حساب الأخرى، سواء من خلال الدعم العسكري، او السياسي، او غيرها أنواع الدعم.
العامل الاخر، لانتشار الفوضى في البلدان، يتمثل في فقدان الشرعية، او انحسار التأييد الشعبي، اذ تحاول بعض الجهات التخريبية، الضرب على وتر الإصلاح، وتحقيق المزيد من المشاركة الشعبية، فهذه الشعارات ”كلمة حق يراد بها باطل“، اذ تحمل في طياتها مشاريع إصلاحية، بيد انها تستبطن أهداف خبيثة، ومحاولة التدخل المباشر، واحداث شرخا كبيرا، في جدار الامن والاستقرار، الامر الذي يدخل المجتمع في دوامة الخراب والدمار، فالتاريخ يتحدث عن حروب داخلية، استمرت لسنوات عديدة، جراء تحركات مدعومة، من أطراف خارجية، بحيث انعكست سلبيا على التماسك الداخلي، والتأخر في مختلف المجالات العلمية والتنموية، نظرا لسيطرة لغة السلاح، والصراع، على لغة العقل والحوار.