ثقافة التناقض
أظهرت الكوارث الطبيعية، التي ضربت الولايات المتحدة اخيراً، البون الشاسع بين المبادئ الإخلاقية النبيلة، وثقافة الكراهية، ففي الوقت الذي يتبارى العالم، لإنقاذ عشرات الملايين، من خطر ”إيرما“، يتسابق البعض في إظهار الشماتة والفرح، من خلال استخدام تعابير مختلفة، مرة بانتقام الخالق للكفار، وأخرى بتحريم الدعاء للمتضررين، من الكارثة الطبيعية.
ضجت وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية، بمئات الآلاف من التعليقات، الداعية لإظهار ”الشكر“ والفرح، جراء تعرض بعض الولايات الامريكية، لموجة الأعاصير العاتية، الامر الذي ساهم في تدمير وتشريد الملايين، حيث شكلت هذه الكارثة الطبيعية مؤشرا واضحا، على مدى تدني المستوى الأخلاقي، الذي يحمله البعض تجاه بعض الشعوب، فالتعامل الإنساني مبدأ ثابت ومطلوب، مهما تباعدت الاّراء او اختلفت وجهات النظر، خصوصا وان الإخوة الإنسانية تحث على إظهار التعاضد، وللتكافل الاجتماعي، في مثل هذه الأوقات العصيبة.
الموقف المشرف للمسلمين في أمريكا، كشف الوجه الناصع للقيم الأخلاقية، والإنسانية في التعاضد، والتلاحم في أوقات الشدة، حيث عمد المسلمون لفتح المساجد لإيواء المتضررين، من الإعصار الذي ضرب الولايات المتحدة، فضلا عن تقديم المساعدة الطبية، فالموقف الأخلاقي للمسلمين الأمريكيين، أعطى درسا كبيرا في التفاعل مع المجتمع، في الرخاء والشدة، الامر الذي انعكس إيجابيا في مختلف الوسائل الإعلامية الامريكية، مما فند المواقف العدائية، التي اطلقتها بعض الجماعات المتعصبة، في أمريكا.
ان المحن الطبيعية التي تكابدها بعض الشعوب، وأحيانا شرائح اجتماعية، في المجتمع الواحد، تكشف المعادن الحقيقية للبشر، فالبعض لا يكتفي بالتفرج، بل يعمد لصب الزيت على النار، بهدف احداث فتنة اجتماعية لتأكل اليابس والأخضر، اذ يمارس اثارة الفتنة القاتلة، عبر استخدام الدين لتبرير موقفه، من اجل الخروج من المأزق الأخلاقي، او لاستقطاب شرائح اجتماعية واسعة، حيث يعمد الى تغليف الموقف الصادم، بآيات قرآنية للوقوف امام المواقف الرافضة.
الغريب في الامر، تحرك أصحاب المواقف غير الأخلاقية، لوقف جميع المبادرات المضادة، باعتبارها غير شرعية، ولا تستند للغطاء الإسلامي، اذ تعمد هذه الشريحة الرافضة لنداء الفطرة السليمة، لاستخدام المنابر الإعلامية، في ابطال الدعوات المضادة، بهدف وقف جميع المساعي الأخلاقية النبيلة الهادفة، لإنقاذ حياة الأبرياء من التعرض للموت، او محاولة انتشال بعض الناس من مستنقع الجهل او الفقر.
يضرب البعض جميع المبادئ الإنسانية عرض الحائط، فالشرائع السماوية على اختلافها تدعو لتغليب التكافل البشري، والتعاضد بين الشعوب في أوقات الرخاء، فمابالك في أوقات الشدة والمحن، حيث تظهر الفطرة السليمة للعلن في مثل هذه الظروف الاستثنائية، بمعنى اخر، فان الجميع يتعرف على مجموعة القيم، التي تحملها بعض الشرائح الاجتماعية، تجاه البعض الاخر، فهناك مسافة واسعة بين السلوك الأخلاقي، والشعارات البراقة، خصوصا وان هناك شرائح اجتماعية، تمارس ايغال النفوس على القريب قبل البعيد، فهي لا تتورع عن إظهار السرور، مع تعرض الاخر لبعض الظروف القاهرة، اذ تعتبرها ”جزاء“ دنيوي قبل العذاب الأخروي.