ماله مستقبل
”مبروك! تم قبولك في جامعة الدمام“، ”تم قبولك في كلية سعد“، ”تم قبولك في جامعة عجمان“، ”تم قبولك في المعهد البريطاني“.
رحلة النجاح بدأت من هنا، حيث وصلتني وصديقاتي هذه الرسائل السنة الماضية، وذهبت كل منا سعياً وراء مستقبلها وبدأنا أولى الخطوات نحو النجاح الذي نطمح إليه. لا يغيب عني صوت الفتيات في أول يوم دراسي لي في كلية المجتمع بالدمام؛ حيث كُنَّ يتحدثن عن شهادة الكلية وكونها دبلوماً تدريبياً، وأنه لا مستقبل وظيفي لخريجات الدبلوم مهما كان مستواهن. إلا أنني كنت أظن عكس ذلك، وكنت أضع لنفسي الأسباب التي تثير حماسي للدراسة والاجتهاد. لكن لمجرد سماعي هذه العبارات، قَلَّ حماسي وتحول إلى قلق وخوف.
أتيحت لنا الفرصة أنا وصديقاتي في منتصف الفصل الدراسي لكي نجمتع في أحد المقاهي وتحدثنا عما نواجهه من مصاعب في دراستنا. أقلقتني علامات التوتر والإرهاق على وجه إحداهن، تدرس الصيدلة الإكلينيكية، أحد أصعب التخصصات الصحية. سألتها عن سبب توترها، فكان جوابها أن كلام الجميع حولها أخمل حماسها وأحبطها كثيراً. قلت متفاجئة: ”ولكن تخصصك قوي ومطلوب جداً!“ فأجابتني: ”يقولون تخصصك ما له مستقبل“. فعلقت أخرى: ”أنا أيضاً قيل لي نفس الكلام رغم أنني أجمع بين تخصصين الإدارة والصحة، فتخصصي هو الإدارة الصحية. وبمجرد سماعهم اسم التخصص يقولون جملتهم الشهيره: ما له مستقبل!»“.
إحدى الصديقات لم يحالفها الحظ بالقبول في الجامعة فالتحقت بأحد المعاهد الأهلية. كانت صاحبتي هذه تسمع شكوانا بصمت حتى انتهينا. ثم قالت لنا بحُرقة شديدة: ”أنتن في جامعات وكليات على الأقل. سوف تحصلن على شهادة جامعية، أما أنا فسوف تبقى شهادتي شهادة معهد بدرجة دبلوم.“ قاطعت حديثها: ”أنا أيضاً طالبة دبلوم تدريبي“. أجابت بحزن: ”دبلوم من جامعة الدمام.. ليس معهداً لا ينتمي إلى أي جهة تعليمية معروفة“.
تلك الليلة، بقي الموضوع عالقاً في ذهني، خصوصاً عبارة ”ما له مستقبل“. بعد فترة، اكتشفت أن هذه العبارة تُقال لكل طالب، سواءً كان طالب دبلوم، أو هندسة أو طب بشري... إلخ! أصبحت عبارة روتينية عند الناس، ليبدؤوا بعدها بتوجيه فلسفاتهم التي لا تستند إلى واقع ولا تمتّ له بأي صلة. ربما هي كلمات تُقال لإبراز النفس والخبرة والمعرفة، أو فقط لإبداء رأي دون النظر إلى أثر هذه العبارة المدمّر على المتلقي ودون مراعاة مشاعره.
بل وصل الأمر إلى التدخل السافر في اختيار الشخص لتخصصه وإقناعه بتخصص أخر بحسب جنسه: ”إنه أنسب لك كونك «ذكر/أنثى» وسوف تجد الفرص الوظيفية بشكل أكبر من تخصصك هذا“. إحدى قريباتي واجهت هذا النوع من «الحشرية»، حيث إنها طالبة هندسة كهربائية. قيل لها: ”لن تجدي وظيفة لتخصصك لأنك فتاة“. أُحبطت عزيمتها وكانت على وشك تحويل تخصصها، إلا أن زوجها تدخل سريعاً وأقنعها: ”سدي أذنيك عن كلام الناس، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، واستمري وأنا سوف أدعمك“.
كان لكلماته الحانية أثراً إيجابياً كبيراً عليها، وهي الآن على وشك التخرج. إرادتها جعلتها تتغلب على جميع الصعاب، فرُب كلمة نافعة ورُب كلمة ضارة. كلمة واحدة قد تدفعنا للصعود للقمة، وأخرى قد تهوي بنا إلى قاع الإحباط واليأس.
أصبحنا أنا وصديقاتي نسد آذاننا عن الكلام الذي يقال من حولنا وواصلنا طريقنا نحو آفاق المستقبل وكلنا ثقة أن القادم أجمل بإذن الله. نسمع الكلمات التي تمنحنا الطاقة الإجابية ونضرب بتلك التي تثبط عزيمتنا عرض الحائط. فأكثر الناس تنتقد وهي جالسة، ثم تقف تصفق للشخص ذاته الذي قالوا له يوماً: ”تخصصك ما له مستقبل“.