ثقافة الإنسانية
يضرب البعض على وتير الإنسانية، ومساعدة الاخرين لغاية في نفسه، خصوصا وانه قناة سالكة لتحقيق المآرب الشخصية، واختراق القلوب بسرعة الصاروخ، ”جبلت القلوب على حب من احسن اليها“، لذا فان البعض يسعى للوصول الأهداف، عبر التلاعب بمشاعر الاخرين، بحيث يستغل العوز لدى بعض الشرائح الاجتماعية، لضرب اكثر من عصفور بحجر واحد، فمن جانب يحصل على الإشادة من المحيط الاجتماعي، ومن جانب اخر يجد مناخا واسعا للتغلغل، في أوساط بعض الطبقات الاجتماعية، الامر الذي يدفعه لممارسة بعض الممارسات الملتوية، تحت غطاء الاعمال الإنسانية.
استغلال يافطة الإنسانية، لتحقيق مكاسب مختلفة، ليس أمرا طارئا، فكثيرا ما تستغل المساعدات، في أوقات الكوارث لأغراض متعددة، اذ تجد بعض الشرائح الاجتماعية، تحاول اقتناص الظروف القاهرة، التي تكابدها فئات بشرية، في سبيل تحقيق ما فشلت في نيله، في الأوقات الطبيعية، حيث تتحرك لتقديم المساعدات على اختلافها، لاملاء شروطها على الطرف المتضرر، انطلاقا من المبدأ الميكافيلي القائم ”على الغاية تبرر الوسيلة“، بمعنى اخر، فان الشعارات الإنسانية التي ترفع ليست واقعية، باستثناء كونها مفتاح أساسي، للحصول على المكاسب الانية، او المستقبلية.
لا توجد فوارق كبيرة، بين أصحاب النفوذ الاجتماعي، والسلطات الحاكمة، فالجميع ينطلق من مآرب تتجاوز المسألة الإنسانية، فالمساعدات سواء كانت على شكل معونات غذائية، او هبات مالية، تهدف الى كسر ”عين“ الطرف الاخر، وقتل إرادة الرفض لديه، ففي الغالب تكون المطالَب في مرحلة لاحقة، اذ من الصعب اخضاع الطرف المتضرر، لارادة ”الواهب“ بصورة عاجلة، فالعملية تتطلب فترة زمنية، سواء كانت متوسطة او طويلة، حيث يحرص أصحاب النفوذ، او الدول المانحة على تقديم المزيد من المساعدات، لأحداث اختراق حقيقي في جدار الرفض، لدى الطرف المقابل، بمعنى اخر، فان الطرف المساعد يعرف التوقيت المناسب، لكسر إرادة الطرف الاخر، وكما يقال يعرف ”من أين تؤكل الكتف“.
الغريب ان الأطراف المانحة للمساعدات، سرعان ما ترفع يدها بشكل كامل، عن الأطراف المحتاجة، بمجرد تحقيق المكاسب، والأهداف المرسومة، حيث تبادر للبحث عن مبررات مختلفة، لقرار قطع المساعدات، من اجل استبعاد تهمة استغلال الأطراف المحتاجة، في سبيل إنجاز مكاسب اجتماعية، وبالتالي، فان الحديث عن التكافل الاجتماعي، الذي سيطر على المشهد، إبان فترة تقديم المساعدات، سرعان ما يتلاشى للأبد، ويبرز مكانة ضرورة الاختيار المناسب، لتوجيه المساعدات، نظرا لوجود شرائح اكثر حاجة، من الفئات المستهدفة حاليا.
تمارس الدول الغنية، او الكبرى، سياسة المساعدات، في سبيل ضمان الموقف السياسي، في مختلف القضايا، والحصول أصوات الدول الفقيرة، في المحافل الدولية، خصوصا وان المساعدات بمثابة سيف مسلط، على رقاب الدول النامية، الامر الذي يفسر اقدام الدول المانحة، على حرمان بعض الدول الفقيرة، من المساعدات السنوية، اذ تحاول تبرير إيقاف المساعدات، بمختلف الوسائل، تارة تدهور سجل حقوق الانسان، وأخرى بغياب الديمقراطية، وثالثة باكتشاف عمليات اختلاس، وعدم وصولها للمستفيدين، وغيرها من الطرق، لممارسة الضغط على الدول المستفيد، من اجل الحصول على موقف سياسي، او تأييد بشأن احد القضايا السياسية، وبالتالي، فان الدول الفقيرة، لا تجد مناصا من الخضوع، لموقف الدول الغنية، في سبيل استمرار الدعم المالي ”الهبات“ السنوية.