آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

ثقافة القوة

محمد أحمد التاروتي *

يمارس الأقوياء مختلف الضغوط على الأطراف الضعيفة، من اجل تكريس الامر الواقع، واستمرار سياسة الابتزاز السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، حيث يتحرك الأقوياء من منطلق حاجة الضعفاء الماسة للدعم على اختلافه، الامر الذي يدفع الأطراف القوية لاستخدام ورقة الدعم، لتحقيق مكاسب استراتيجية او تكتيكية، دون النظر للتداعيات المترتبة، على الأطراف الضعيفة، جراء الاستمرار في ممارسة الابتزاز، اذ تشكل المصالح أولوية، وضريبة مستحقة، جراء مواصلة الدعم السياسي، والاقتصادي، والعسكري.

لا تجد الأطراف الضعيفة مناصا من الرضوخ، والاستسلام لارادة الأقوياء، نظرا لانعدام هامش المناورة، وعدم امتلاك الأوراق، للوقوف في وجه الأقوياء، او محاولة التملص، من الاستحقاقات الناجمة عن دعم الأقوياء، الامر الذي يدفعها ”الأطراف الضعيفة“، لمساندة الأقوياء في مختلف المحافل الدولية، ورفع الرأية البيضاء في مختلف المعارك، التي تخوضها القوى الكبرى، لاسيما وان الوقوف في الطرف المقابل، يحمل في طياته تبعات خطيرة، يصعب السيطرة عليها، خصوصا وان الأطراف القوية تمتلك أوراقا ضاغطة، تجبر الأطراف الضعيفة على الاستسلام، في غضون ساعات قليلة، مما يحتم على الضعفاء اختيار طريق التبعية، على خيار المواجهة الصعبة.

يواجه الضعفاء صعوبة في مقاومة رغبات الأقوياء، بحيث تضطر للتنازل على جزء من قرارها السياسي، وأحيانا السيادي، في سبيل استرضاء ”الأقوياء“، فالمواقف التي تطلقها على خلفية قضايا، داخلية، او خارجية، سرعان ما تختفي نتيجة ضغوط قوية من ”الأسياد“، مما يجعل الضعفاء في موقف، لا تحسد عليه سواء امام الرأي العام الداخلي، او الخارجي، خصوصا وان بعض المواقف يصعب تمريرها، بسهولة جراء الانقلاب السريع، والمفاجئ، مما يدفع تلك الدول الضعيفة للاستعانة، بالقوى الداعمة لتبرير المواقف الجديدة، نظرا للحرج الشديد الذي تشعر به، جراء التغيير الكبير في المواقف.

يسعى الأقوياء لاستغلال الضعفاء بمختلف المحافل، والصراعات السياسية، فمرة من خلال التلويح بالخيار العسكري، للحصول على المكاسب السياسية، وتارة بإثارة الخلافات الداخلية لزعزعة الجبهة الداخلية، وأخرى بواسطة اختلاق عدو خارجي، وغيرها من الطرق الأخرى، فالغرض من اثارة تلك المعارك، يكمن في تكريس الهيمنة، وقطع الطريق امام محاولات البحث، عن خيارات أخرى، خصوصا وان القوى العظمى تتخوف من سياسات اكثر إستقلالية، للأطراف الضعيفة، باعتبارها تحركات خطيرة، ولا تصب في مصلحة الأقوياء وتمهد الطريق لفقدان المكاسب، التي تجنيها على خلفية الدعم السياسي، والاقتصادي، والعسكري، المقدم لحماية الضعفاء في سبيل البقاء، ومقاومة التحديات على اختلافها.

ضريبة الاستقواء بالاخر تكون كبيرة، وتأتي في بعض الأحيان، على حساب إستقلالية القرار، اذ يحاول الأقوياء سلب إرادة الضعفاء، بشتى الطرق والوسائل، باعتبارها ثمن طبيعي للحصول على الحماية، خصوصا وان المصالح تشكل المحور في عالم السياسة، بمعنى اخر، فان الأقوياء ليسوا في وارد، تقديم خدمات لوجه الله، بقدر ما يحاولوا الاستفادة، من الضعفاء لتوسيع النفوذ، وتحقيق مكاسب كبرى، على حساب الاخرين،، انها لعبة الأقوياء، التي لا تعترف بالاخلاق مطلقا.

كاتب صحفي